تمهيد
  وأما باعتبار البديع فلا يقال إنه فصيح ولا بليغ، لأن البديع أمر خارجي يراد به تحسين الكلام لا غير.
  إذا تقرّر ذلك، وجب على طالب البيان أن يعرف قبل الشروع فيه معرفة معنى «الفصاحة والبلاغة» لأنهما محوره، وإليهما مرجع أبحاثه. فهما الغاية التي يقف عندها المتكلم والكاتب، والضالة التي ينشدانها.
  وما عقد أئمّة البيان الفصول، ولا بوّبوا الأبواب، إلا بغية أن يوقفوا المسترشد على تحقيقات، وملاحظات وضوابط، إذا روعيت في خطابة أو كتابة بلغت الحدّ المطلوب من سهولة الفهم، وإيجاد الأثر المقصود في نفس السّامع، واتّصفت من ثمّ بصفة الفصاحة(١) والبلاغة.
= بليغا، إذ هو مقيم الحروف وليس لها قصد إلى المعنى الذي يؤديه، وقد يجوز مع هذا أن يسمى الكلام الواحد فصيحا بليغا إذا كان واضح المعنى سهل اللفظ جيد السبك غير مستكره فج، ولا متكلف وخم، ولا يمنعه من أحد الاسمين شيء لما فيه من إيضاح المعنى وتقويم الحروف.
واعلم أن الفصيح من الألفاظ هو الظاهر البين. وإنما كان ظاهرا بينا لأنه مألوف الاستعمال وإنما كان مألوف الاستعمال بين النابهين من الكتاب والشعراء لمكان حسنه. وحسنه مدرك بالسمع. والذي يدرك بالسمع إنما هو اللفظ لأنه صوت يتألف من مخارج الحروف، فما استلذه السمع منه فهو الحسن، وما كرهه فهو القبيح، والحسن هو الموصوف بالفصاحة، والقبيح غير موصوف بالفصاحة، لأنه ضدها لمكان قبحه.
(١). يرى الإمام عبد القاهر الجرجاني وجمع من المتقدمين أن الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة، ألفاظ مترادفة لا تتصف بها المفردات، وإنما يوصف بها الكلام بعد تحري معاني النحو فيما بين الكلم حسب الأغراض التي يصاغ لها.
قال أبو هلال العسكري في كتاب الصناعتين: الفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد، وإن اختلف أصلاهما، لأن كل واحد منهما إنما هو الإبانة عن المعنى والإظهار له. وقال الرازي في نهاية الإيجاز: وأكثر البلغاء لا يكادون يفرقون بين الفصاحة والبلاغة. وقال الجوهري في كتاب الصحاح: الفصاحة هي البلاغة.