تمهيد
  والمجيء بها منثورة، تستأنف واحدة منها بعد الأخرى. فالجملة الثانية: تأتي في الأساليب البليغة مفصولة أحيانا، وموصولة أحيانا.
  فمن الفصل، قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[فصلت: ٣٤] فجملة ادفع مفصولة عمّا قبلها، ولو قيل: وادفع بالّتي هي أحسن، لما كان بليغا.
  ومن الوصل قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة: ١١٩] عطف جملة: وكونوا على ما قبلها. ولو قيل: اتقوا اللّه كونوا مع الصادقين، لما كان بليغا.
  فكل من الفصل والوصل يجيء لأسباب بلاغية. ومن هذا يعلم أن الوصل جمع وربط بين جملتين بالواو خاصة لصلة بينهما في الصورة والمعنى، أو لدفع اللّبس.
  والفصل: ترك الربط بين الجملتين. إما لأنهما متحدتان صورة ومعنى، أو بمنزلة المتحدثين، وإما لأنه لا صلة بينهما في الصورة أو في المعنى.
= كما سيأتي، وإن لم يكن لها محل من الإعراب، فإن كان لها حكم لم يقصد اعطاؤه للثانية وجب الفصل، دفعا للتشريك بينهما، نحو {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ٧ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى} لم يعطف (قوله اللّه يعلم) على ما قبله لئلا يشاركه في حكم القصر فيكون تعالى مقصورا على هذا العلم، وإن لم يكن لها ذلك الحكم نحو: زيد خطيب وعمرو متشرع، أو قصد إعطاء حكمها للثانية نحو إنما زيد كاتب وعمرو شاعر، وجب الوصل كما رأيت، ما لم تكن إحدى الجملتين مطلقا منقطعة عن الأخرى انقطاعا كاملا بحيث لا يصلح ارتباطهما أو متصلة بها اتصالا كاملا. بحيث لا تصح المغايرة بينهما. فيجب الفصل لتعذر ارتباط المنقطعتين بالعطف وعدم افتقار المتصلتين إلى ارتباط به. ويحمل شبه كل واحد من الكمالين عليه فيعطى حكمه، واعلم أنه لا يقبل في العطف إلا عطف المتناسبات مفردة أو جملا بالواو أو غيرها، فالشرط وجود جهة جامعة بين المتعاطفات، فنحو الشمس والقمر والسماء والأرض.
محدثة (مقبول) ونحو الشمس والأرنب والحمار. محدثة (غير مقبول) لكن اصلاحهم اختصاص الوصول والفصل (بالجملة، وبالواو) فلا يحسن الوصل إلا بين الجمل المتناسبة، لا المتحدة ولا المتباينة، وإلا فصل.
واعلم أنه إن وجدت الواو بدون معطوف عليه قدر مناسب للمقام، نحو {أَ وَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً} فتقدر (أكفروا وكلما عاهدوا) لأن الهمزة تستدعي فعلا.