جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

الباب التاسع في الإيجاز، والإطناب، والمساواة

صفحة 180 - الجزء 1

  على ما يعود عليه بالنفع، ويتم النظام، ويكثر العمران. فالقصاص: هو سبب ابتعاد الناس عن القتل، فهو الحافظ للحياة.

  وهذا القسم مطمح نظر البلغاء، وبه تتفاوت أقدارهم، حتى أن بعضهم سئل عن البلاغة فقال: هي «إيجاز القصر». وقال أكثم بن صيفي خطيب العرب: «البلاغة: الايجاز».

  وإيجاز الحذف يكون بحذف شيء من العبارة لا يخل بالفهم، عند وجود ما يدل على المحذوف، من قرينة لفظية، أو معنوية. وذلك المحذوف إما أن يكون:

  ١ - حرفا: كقوله تعالى: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} أصله: ولم أكن⁣(⁣١).

  ٢ - أو اسما مضافا نحو: {وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ}⁣[الحج: ٧٨] أي، في سبيل اللّه.

  ٣ - أو اسما مضافا إليه نحو: {وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ}⁣[الأعراف: ١٤٢] أي: بعشر ليال.

  ٤ - أو اسما موصوفا كقوله تعالى: {وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً}⁣[الفرقان: ٧١] أي: عملا صالحا.

  ٥ - أو اسما صفة نحو: {فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} أي: مضافا إلى رجسهم.


= حد الإعجاز وتمتاز بوجوه، منها أنها كلمتان، وما نقل عنهم أربع، ومنها أنه لا تكرار فيها. وفيما قالوه تكرار، ومنها أنه ليس كل قتل يكون نافيا للقتل، وإنما يكون كذلك إذا كان على جهة القصاص، ومنها حسن التأليف وشدة التلاؤم المدركان بالحس في الآية الكريمة الّتي أعجزتهم أن يأتوا بمثلها. لا فيما قالوه في مثلهم البسيط الذي لا يزيد عن متعارف الأوساط.

(١). وكحذف لا في قول عاصم المنقري: [الوافر]

رأيت الخمر جامدة وفيها ... خصال تفسد الرجل الحليما

فلا واللّه أشربها حياتي ... ولا أسقي بها أبدا نديما

يريد: لا أشربها.

ويقع إيجاز الحذف كثيرا في أساليب البلغاء بشرط أن يوجد ما يدل على الحذف، وإلا كان الحذف رديئا، والكلام غير مقبول.