جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الخامس في تشبيه التمثيل

صفحة 211 - الجزء 1

المبحث الخامس في تشبيه التمثيل

  تشبيه التمثيل: أبلغ من غيره، لما في وجهه من التفصيل الذي يحتاج إلى إمعان فكر، وتدقيق نظر، وهو أعظم أثرا في المعاني: يرفع قدرها، ويضاعف قواها في تحريك النفوس لها، فإن كان مدحا كان أوقع، أو ذما كان أوجع، أو برهانا كان أسطع، ومن ثم يحتاج إلى كد الذهن في فهمه، لاستخراج الصورة المنتزعة من أمور متعددة، حسية كانت أو غير حسية لتكون وجه الشبه كقول الشاعر: [البسيط]

  ولاحت الشمس تحكي عند مطلعها ... مرآة تبر بدت في كفّ مرتعش

  فمثل الشّمس حين تطلع حمراء لامعة مضطربة، بمرآة من ذهب تضطرب في كف ترتعش.

  وتشبيه التمثيل نوعان:

  الأول: ما كان ظاهر الأداة: نحو: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً}⁣[الجمعة: ٥] فالمشبه: هم الذين حملوا التوراة ولم يعقلوا ما بها: والمشبه به الحمار الذي يحمل الكتب النافعة، دون استفادته منها، والأداة الكاف، ووجه الشبه: الهيئة الحاصلة من التعب في حمل النافع دون فائدة.

  الثاني: ما كان خفي الأداة: كقولك للذي يتردّد في الشيء بين أن يفعله وألا يفعله:

  أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى، إذ الأصل: أراك في ترددك مثل من يقدم رجلا مرة، ثم يؤخرها مرة أخرى. فالأداة محذوفة، ووجه الشّبه هيئة الإقدام والإحجام المصحوبين بالشّك.