جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الخامس في تشبيه التمثيل

صفحة 212 - الجزء 1

مواقع تشبيه التمثيل

  لتشبيه التمثيل موقعان:

  ١ - أن يكون في مفتتح الكلام، فيكون قياسا موضحا، وبرهانا مصاحبا، وهو كثير جدا في القرآن، نحو: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}⁣[البقرة: ٢٦١].

  ٢ - ما يجيء بعد تمام المعاني، لإيضاحها وتقريرها، فيشبه البرهان الذي تثبت به الدعوى، نحو: [البسيط]

  لا ينزل المجد إلا في منازلنا ... كالنوم ليس له مأوى سوى المقل

تأثير تشبيه التمثيل في النفس

  إذا وقع التمثيل في صدر القول: بعث المعنى إلى النفس بوضوح وجلاء مؤيد بالبرهان، ليقنع السامع، وإذا أتى بعد استيفاء المعاني كان:

  ١ - إما دليلا على إمكانها، كقول المتنبي: [الوافر]

  وما أنا منهم بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام⁣(⁣١)

  ٢ - وإما تأييدا للمعنى الثابت نحو: [البسيط]

  ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس

  وعلة هذا: أن النفس تأنس إذا أخرجتها من خفي إلى جلي؛ ومما تجهله إلى ما هي به أعلم. ولذا تجد النفس من الأريحية ما لا تقدر قدره، إذا سمعت قول أبي تمام: [الطويل]

  وطول مقام المرء في الحيّ مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدّد

  فانّى رأيت الشمس زيدت محبّته ... إلى الناس ان ليست عليهم بسرمد⁣(⁣٢)


(١). لما ادعى أنه ليس منهم مع إقامته بينهم، وكان ذلك يكاد يكون مستحيلا في مجرى العادة، ضرب لذلك المثل بالذهب فإن مقامه في التراب، وهو أشرف منه.

(٢). الديباجتان الخدان، والسرمد الدائم.