المبحث التاسع في تقسيم التشبيه باعتبار الغرض إلى مقبول وإلى مردود
بلاغة التشبيه(١) وبعض ما أثر منه عن العرب والمحدثين
  تنشأ بلاغة التشبيه: من أنه ينتقل بك من الشيء نفسه، إلى شيء طريف يشبهه، أو صورة بارعة تمثله. وكلما كان هذا الانتقال بعيدا، قليل الخطور بالبال، أو ممتزجا بقليل أو كثير من الخيال، كان التشبيه أروع للنفس، وأدعى إلى إعجابها واهتزازها. فإذا قلت: فلان يشبه فلانا في الطول، أو إنّ الأرض تشبه الكرة في الشكل، لم يكن في هذه التشبيهات أثر للبلاغة، لظهور المشابهة، وعدم احتياج العثور عليها إلى براعة، وجهد أدبيّ، ولخلوّها من الخيال.
  وهذا الضرب من التشبيه: يقصد به البيان والإيضاح، وتقريب الشيء إلى الأفهام، وأكثر ما يستعمل في العلوم والفنون.
  ولكنك تأخذك روعة التشبيه، حينما تسمع قول المعرّي يصف نجما: [الخفيف]
  يسرع اللمح في احمرار كما تس ... رع في اللمح مقلة الغضبان
  فإن تشبيه لمحات النجم وتألقه مع احمرار ضوئه، بسرعة لمحة الغضبان من التشبيهات النادرة، الّتي لا تنقاد إلا لأديب، ومن ذلك قول الشاعر: [الخفيف]
  وكأن النجوم بين دجاها ... سنن لاح بينهنّ ابتداع
  فإن جمال هذا التشبيه: جاء من شعورك ببراعة الشاعر، وحذقه في عقد المشابهة بين حالتين، ما كان يخطر بالبال تشابههما، وهما حالة النجوم في رقعة الليل، بحال السنن الدّينية الصحيحة، متفرقة بين البدع الباطلة.
(١). التشبيه مع ما فيه من ميزة الإيجاز في اللفظ يفيد المبالغة في الوصف. ويخرج الخفي إلى الجلي والمعقول إلى المحسوس، ويجعل التافة نفيسا، والنفيس تافها ويدني البعيد من القريب، ويزيد المعنى وضوحا، ويكسبه تأكيدا، فيكون أوقع في النفس وأثبت، وله روعة الجمال والجلال.