المبحث التاسع في تقسيم التشبيه باعتبار الغرض إلى مقبول وإلى مردود
  ولهذا التشبيه: روعة أخرى، جاءت من أن الشاعر: تخيل أن السنن مضيئة لمّاعة، وأن البدع مظلمة قاتمة.
  ومن أبدع التشبيهات قول المتنبي: [الطويل]
  بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها ... وقوف شحيح ضاع في التّرب خاتمة
  يدعو الشاعر على نفسه بالبلى والفناء، إذا هو لم يقف بالأطلال، ليذكر عهد من كانوا بها، ثم أراد أن يصوّر لك هيئة وقوفه، فقال: كما يقف شحيح فقد خاتمة في التراب، من كان يوفق إلى تصوير حال الذّاهل المتحير المحزون، المطرق برأسه، المنتقل من مكان إلى مكان في اضطراب ودهشة، بحال شحيح فقد في التراب خاتما ثمينا.
  هذه بلاغة التشبيه من حيث مبلغ طرافته، وبعد مرماه، ومقدار ما فيه من خيال.
  أما بلاغته من حيث الصورة الكلامية الّتي يوضع فيها، فمتفاوتة أيضا.
  فأقلّ التشبيهات مرتبة في البلاغة ما ذكرت أركانه جميعها، لأنّ بلاغة التشبيه مبنية على ادعاء أنّ المشبه عين المشبه به، ووجود الأداة، ووجه الشبه معا، يحولان دون هذا الادّعاء؛ فإذا حذفت الأداة وحدها، أو وجه الشبه وحده، ارتفعت درجة التشبيه في البلاغة قليلا، لأن حذف أحد هذين يقوّي ادعاء اتحاد المشبه والمشبه به بعض التقوية - أما أبلغ أنواع التشبيه «فالتشبيه البليغ» لأنه مبنيّ على ادعاء أن المشبه والمشبه به شيء واحد.
  هذا - وقد جرى العرب والمحدثون على تشبيه: الجواد بالبحر والمطر، والشجاع بالأسد، والوجه الحسن بالشمس والقمر، والشهم الماضي في الأمور بالأحلام والوجه الصبيح بالدينار، والشعر الفاحم بالليل، والماء بالسيف، والعالي المنزلة بالنجم، والحليم الرّزين بالجبل، والأماني الكاذبة بالعنقاء، والماء الصافي باللّجين، والليل بموج البحر، والجيش بالبحر الزّاخر، والخيل بالرّيح والبرق، والنجوم بالدّرر والأزهار، والأسنان بالبرد واللؤلؤ، والسفن بالجبال، والجداول بالحيّات الملتوية، والشيب بالنهار ولمع السيوف، وغرّة الفرس بالهلال، ويشبّهون الجبان بالنّعامة والذبابة، واللئيم بالثعلب، والطائش بالفراش، والذليل