جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الرابع في المجاز المفرد بالاستعارة تمهيد

صفحة 242 - الجزء 1

المبحث الرابع في المجاز المفرد بالاستعارة تمهيد

  سبق: أن التشبيه أول طريقة دلت عليها الطبيعة؛ لإيضاح أمر يجهله المخاطب، بذكر شيء آخر، معروف عنده، ليقيسه عليه، وقد نتج من هذه النظرية، نظرية أخرى في تراكيب الكلام، ترى فيها ذكر المشبه به أو المشبه فقط. وتسمى هذه بالاستعارة، وقد جاءت هذه التراكيب المشتملة على الاستعارة أبلغ من تراكيب التشبيه، وأشد وقعا في نفس المخاطب، لأنه كلما كانت داعية إلى التحليق في سماء الخيال، كان وقعها في النفس أشد، ومنزلتها في البلاغة أعلى.

  وما يبتكره أمراء الكلام من أنواع صور الاستعارة البديعة، الّتي تأخذ بمجامع الأفئدة، وتملك على القارئ والسامع لبهما وعواطفهما هو سر بلاغة الاستعارة.

  فمن الصور المجملة الّتي عليها طابع الابتكار وروعة الجمال قول شاعر الحماسة: [البسيط]

  قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا

  فإنه قد صور لك الشر، بصورة حيوان مفترس مكشر عن أنيابه مما يملأ فؤادك رعبا، ثم صور القوم الذين يعنيهم، بصور طيور تطير إلى مصادمة الأعداء؛ طيرانا مما يستثير إعجابك بنجدتهم، ويدعوك إلى إكبار حميتهم وشجاعتهم.

  ومنهم: من يعمد إلى الصورة الّتي يرسمها، فيفصل أجزاءها، ويبين لكل جزء مزيته الخاصة، كقول امرئ القيس في وصف الليل بالطول: [الطويل]

  فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل⁣(⁣١)


(١). تمطى تمدد، والصلب عظم في الظهر من لدن الكاهل إلى العجب، والعجز مؤخر الجسم والكلكل الصدر، أو ما بين الترقوتين.