جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الرابع في المجاز المفرد بالاستعارة تمهيد

صفحة 243 - الجزء 1

  فإنه لم يكتف بتمثيل الليل، بصورة شخص طويل القامة، بل استوفى له جملة أركان الشخص؛ فاستعار صلبا يتمطى به، إذ كان كل ذي صلب يزيد في طوله تمطيه، وبالغ في ذلك بأن جعل له أعجازا يردف بعضها بعضا، ثم أراد أن يصفه بالثقل على قلب ساهره، فاستعار له كلكلا ينوء به أي يثقل به ولا يخفى عليك ما يتركه هذا التفصيل البديع في قلب سامعه من الأثر العظيم، والارتياح الجميل.

  ومنهم: من لا يكتفي بالصورة التي يرسمها، بل ينظر إلى ما يترتب على الشيء فيعقب تلك الصورة بأخرى أشد وأوقع، كقول أبي الطيب المتنبي: [الوافر]

  رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبال⁣(⁣١)

  فصرت إذا أصابتني سهام ... تكسرت النصال على النصال⁣(⁣٢)

  فإنه لم يكتف بتصويره المصائب سهاما في سرعة انصبابها، وشدة إيلامها، ولا بالمبالغة في وصف كثرتها، بأن جعل منها غشاء محيطا بفؤاده، حتى جعل ذلك الغشاء من المتانة والكثافة، بحيث إن تلك النصال مع استمرار انصبابها عليه، لا تجد منفذا إلى فؤاده، لأنها تتكسر على النصال الّتي سبقتها، فانظر إلى هذا التمثيل الرائع، وقل لي: هل رأيت تصويرا أشد منه لتراكم المصائب والآلام؟

تعريف الاستعارة وبيان أنواعها

  الاستعارة لغة: من قولهم، استعار المال: طلبه عارية. واصطلاحا: هي استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه، مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الأصلي.


(١). الأرزاء المصائب، والغشاء الغلاف، والنبال السهام.

(٢). النصال حدائد السهام.