المبحث الرابع في المجاز المفرد بالاستعارة تمهيد
  والاستعارة ليست إلا تشبيها مختصرا؛ ولكنها أبلغ منه(١) كقولك: رأيت أسدا في المدرسة، فأصل هذه الاستعارة «رأيت رجلا شجاعا كالأسد في المدرسة» فحذفت المشبه «لفظ رجلا» وحذفت الأداة «الكاف» وحذفت وجه التشبيه «الشجاعة» وألحقته بقرينة «المدرسة» لتدل على أنك تريد بالأسد شجاعا.
وأركان الاستعارة ثلاثة.
  ١ - مستعار منه: وهو المشبه به.
  ٢ - ومستعار له: وهو المشبه.
[ويقال لهما الطرفان]
  ٣ - ومستعار: وهو اللفظ المنقول.
  فكل مجاز يبنى على التشبيه يسمى استعارة ولا بد فيها من عدم ذكر وجه الشبه، ولا أداة التشبيه، بل ولا بد أيضا من تناسي التشبيه الذي من أجله وقعت الاستعارة فقط، مع ادعاء أن المشبه عين المشبه به. أو ادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به الكلي. بأن يكون اسم جنس أو علم جنس ولا تتأتى الاستعارة في العلم الشخصي(٢) لعدم إمكان دخول شيء في الحقيقة الشخصية، لأن نفس تصور الجزئي يمنع من تصور الشركة فيه. إلا إذا أفاد العلم
(١). فأصل الاستعارة: تشبيه حذف أحد طرفيه ووجه شبهه وأداته، ولكنها أبلغ منه لأن التشبيه مهما تناهى في المبالغة، فلا بد فيه من ذكر المشبه، والمشبه به وهذا اعتراف بتباينهما. وأن العلاقة ليست إلا التشابه والتداني، فلا تصل إلى حد الاتحاد. بخلاف الاستعارة ففيها دعوى الاتحاد والامتزاج. وأن المشبه والمشبه به صارا معنى واحدا، يصدق عليهما لفظ واحد، فالاستعارة (مجاز لغوي) لا عقلي علاقته المشابهة.
واعلم أن حسن الاستعارة «غير التخييلية» لا يكون إلا برعاية جهات التشبيه وذلك بأن يكون وافيا بإفادة الغرض منه، لأنها مبنية عليه، فهي تابعة له حسنا وقبحا.
(٢). يعني أن الاستعارة تقتضي ادخال المشبه في جنس المشبه به. ولذلك لا تكون علما، لأن الجنس يقتضي العموم، والعلم ينافي ذلك بما فيه من التشخيص، إلا إذا كان العلم يتضمن وصفية قد اشتهر بها «كسحبان» المشهور بالفصاحة، فيجوز فيه ذلك، لأنه يستفيد الجنسية من الصفة، نحو: سمعت اليوم سحبان، أي خطيبا فصيحا، وهلم جرا.