جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

الباب الثاني في المجاز

صفحة 251 - الجزء 1

  فالاستعارة تصريحية تبعية نحو: نامت همومي عني. ونحو: صه: الموضوع للسكوت عن الكلام، والمستعمل مجازا في ترك الفعل ونحو: الجندي قاتل اللص، بمعنى ضاربه ضربا شديدا ونحو: هذا الموضوعة للإشارة الحسية؛ والمستعملة مجازا في الإشارة العقلية نحو: هذا رأي حسن، ونحو: قوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}⁣[طه: ٧١] ونحو: قوله تعالى:

  {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً}⁣[القصص: ٨].

  وسميت تبعية لأن جريانها في المشتقات، والحروف، تابع لجريانها أولا: في الجوامد، وفي كليات معاني الحروف. يعني: أنها سميت تبعية لتبعيتها لاستعارة أخرى، لأنها في المشتقات


= التصريحية التبعية، ومثال المكنية التبعية في الاسم المشتق يعجبني إراقة الضارب دم الباغي، وإجراء الاستعارة أن يقال شبه الضرب الشديد بالقتل، بجامع الإيذاء في كل، واستعير القتل للضرب الشديد واشتق من القتل القاتل بمعنى ضارب ضربا شديدا ثم حذف وأثبت له شيء من لوازمه وهو الإراقة على سبيل الاستعارة المكنية التبعية، ومثالها في الاسم المبهم قولك لجليسك المشغول عنك: أنت مطلوب منك أن تسير إلينا الآن، شبه مطلق مخاطب بمطلق غائب فسرى التشبيه للجزئيات، واستعير الثاني للأول، ثم استعير بناء على ذلك ضمير الغائب للمخاطب، وحذف وذكر المخاطب، ورمز إلى المحذوف بذكر لازمه، وهو طلب السير منه إليك، وإثباته له تخييل.

واعلم أن استعارة الأسماء المبهمة أعني الضمائر وأسماء الإشارة والموصولات تبعية، لأنها ليست باسم جنس لا تحقيقا ولا تأويلا، ولأنها لا تستقل بالمفهومية لأن معانيها لا تتم ولا تصلح لأن يحكم عليها بشيء ما لم تصحب تلك الألفاظ في الدلالة عليها ضميمة تتم بها، كالإشارة الحسية والصلة والمرجع، فلا بد أن تعتبر التشبيه أولا في كليات تلك المعاني الجزئية، ثم سريانه فيها لتبنى عليه الاستعارة، مثلا في استعارة لفظ «هذا» لأمر معقول، يشبه المعقول المطلق في قبول التمييز بالمحسوس المطلق فيسري التشبيه إلى الجزئيات فيستعار لفظ هذا المحسوس الجزئي للمعقول الجزئي الذي سرى إليه التشبيه، فهي استعارة تبعية، والاستعارة في الضمير والموصول المؤنث، أو بموصولها عنه لشبهه بها. أو عكسه. فتشبه المذكر المطلق، بالمؤنث، كالتعبير عن المذكر بضمير المطلق، فيسري التشبيه، فتستعير الضمير، أو الموصول، للجزء الخاص.