المبحث السابع في الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار
  التنبيه الرابع: تبين أن الاستعارة هي اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعني الوضعي(١). أو هي: مجاز لغوى علاقته المشابهة، كقول زهير: [الطويل]
  لدى أسد شاكي السلاح مقذف ... له لبد أظفاره لم تقلم
  فقد استعار لفظ الأسد: للرجل الشجاع. لتشابههما في الجراءة. والمستعار له هنا: محقق حسا.
  وكقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة: ٦]؛ فقد استعار الصراط المستقيم للدين الحق، لتشابههما في أن كلّا يوصل إلى المطلوب.
  وكقوله تعالى: {كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ}[إبراهيم: ١] أي من الضلال إلي الهدى، فقد استعير لفظ الظلمات للضلال، لتشابههما في عدم اهتداء صاحبيهما، وكذلك استعير لفظ النور للإيمان. لتشابههما في الهداية، والمستعارات لهما هو الضلال والإيمان، كل منها محقق عقلا وتسمي هذه الاستعارات تصريحية وتسمي تحقيقية.
  وأما قول أبي ذؤيب الهذلي: [الكامل]
  وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
  فشبه المنية بالسبع. في اغتيال النفوس قهرا. من غير تفرقة بين نفاع وضرار، ولم يذكر لفظ المشبه به، بل ذكر بعض لوازمه وهو أظفارها التي لا يكمل الاغتيال في السبع إلا بها.
  تنبيها على المشبه به المحذوف فهو استعارة مكنية وكقوله: [الكامل]
  ولئن نطقت بشكر برّك مفصحا ... فلسان حالي بالشكاية أنطق
  فشبه الحال، بإنسان ناطق في الدلالة على المقصود، ولم يصرح بلفظ المشبه به بل ذكر لازمه.
  وهو اللسان الذي لا تقوم الدلالة الكلامية إلا به، تنبيها به عليه، فهو أيضا استعاره مكنية.
  وقد أثبت للمشبه لازم من لوازم المشبه به، لا يكون إلا به كماله أو قوامه في وجه الشبه
(١). قد يراد بالاستعارة المعني المصدري: أي استعمال اللفظ في غير ما وضع له فيكون اللفظ مستعارا، والمشبه به مستعارا منه، والمشبه مستعارا له.