جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

الباب الثاني في المجاز

صفحة 254 - الجزء 1

  كالاظفار التي لا يكمل الافتراس إلا بها. كما في المثال الأول واللسان الذي لا تقوم الدلالة الكلامية في الإنسان إلا به، كما في المثال الثاني وليس للمنية شيء كالأظفار نقل إليه هذا اللفظ، ولاللحال شيء كاللسان نقل إليه لفظ اللسان. وما كان هذا حاله يعتبر طبعا تخييلا أو استعارة تخييلة.

  التنبيه الخامس: تقدم أن الاستعارة التصريحية أو المصرحة: هي ما صرح فيها بلفظ المشبه به. وأن المكنية، هي ما حذف فيها لفظ المشبه به، استغناء ببعض لوازمه التي بها كماله أو قوامه في وجه الشبه⁣(⁣١) وأن إثبات ذلك اللازم تخييل أو استعارة تخييلية.

  غير أنهم اختلفوا في تعريف كل من المكنية والتخييلة.

  فمذهب السلف: أن المكنيّة: اسم المشبه به، المستعار في النفس للمشبه، وأن إثبات لازم المشبه به للمشبه استعارة تخييلية⁣(⁣٢) فكل من الأظفار في قوله: وإذا المنية أنشبت أظفارها.

  واللسان في قوله: فلسان حالي بالشكاية أنطق حقيقة، لأنه مستعمل فيما وضع له.


(١). إذا لم يكن اللازم كذلك، اعتبر ترشيحا، فالفرق بين الترشيح والتخييل:

«أ» أن الترشيح يكون في المصرحة والمكنية: والتخييل، إنما يكون في المكنية.

«ب» أن التخييل به كمال المشبه به، أو قوامه في وجه الشبه، ولا يكون إلا كذلك.

(٢). وعلى مذهبهم لا تكون التخييلية «مجازا لغويا» لأنها فعل من أفعال النفس وهو الإثبات، والمجاز اللغوي من عوارض الألفاظ. وعلى مذهبهم أيضا تتلازم المكنية والتخييلية، إلا أن أحدهم وهو «الزمخشري» انفرد من بينهم بأن قال إن قرينة المكنية قد تكون تحقيقية إذا كان للمشبه لازم يشبه لازم المشبه به نحو {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} فقد شبه العهد بالحبل بجامع أن كلّا يصل بين شيئين ويربطهما: فالعهد يربط المتعاهدين كما يربط الشيئان بالحبل، ثم حذف لفظ المشبه به وهو الحبل واستعير النقض وهو فك طاقات الحبل لإبطال العهد، بجامع الإفساد في كل «استعارة أصلية تحقيقية» ثم اشتق من النقض ينقضون بمعني يبطلون، على سبيل الاستعارة، «التحقيقية التبعية» فالزمخشرى يجمع بين المكنية والتحقيقية أحيانا، على أن التحقيقية ليست مقصودة لذاتها، وإنما جاءت تبعا للمكنية، للدلالة عليها، فلا تلازم عنده بين المكنية والتخييلة. إلا أن يدعي أن القرينة «تصريحية» باعتبار المعني المقصود في الحالة الراهنة «تخييلة» باعتبار الإشعار بالأصل. أما غيره من السلف فتقول: شبه العهد بالحبل، وحذف لفظ الحبل، ورمز إليه بلازمه، وهو النقص وإثبات النقض للعهد تخييل.