جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

فصاحة الكلام

صفحة 25 - الجزء 1

  ولو أنّ مجدا أخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده الدهر (مطعما)⁣(⁣١)

  الثالث: التعقيد اللفظي: هو كون الكلام خفي الدّلالة على المعنى المراد به، بحيث تكون الألفاظ غير مرتّبة على وفق ترتيب المعاني. (وينشأ ذلك التّعقيد من تقديم أو تأخير أو فصل بأجنبي بين الكلمات التي يجب أن تتجاور ويتصل بعضها ببعض)⁣(⁣٢) وهو مذموم: لأنه يوجب اختلال المعنى واضطرابه، من وضع ألفاظه في غير المواضع اللائقة بها كقول المتنبي: [الكامل]

  جفخت وهم لا يجفخون بها بهم ... شيم على الحسب الأغر دلائل⁣(⁣٣)

  أصله: جفخت بهم شيم دلائل على الحسب الأغر، وهم لا يجفخون بها.

  الرابع: التّعقيد المعنوي: كون التركيب خفيّ الدّلالة على المعنى المراد⁣(⁣٤) بحيث لا يفهم معناه إلا بعد عناء وتفكير طويل.

  وذلك لخلل في انتقال الذهن من المعنى الأصلي إلى المعنى المقصود بسبب إيراد اللوازم البعيدة، المفتقرة إلى وسائط كثيرة، مع عدم ظهور القرائن الدّالة على المقصود: بأن يكون


(١). فإن الضمير في (مجده) راجع إلى (مطعما) وهو متأخر في اللفظ كما يرى وفي الرتبة لأنه مفعول به. فالبيت غير فصيح لمخالفته قواعد النحو.

ومطعم أحد رؤساء المشركين، وكان يدافع عن النّبي ÷. ومعنى البيت أنه لو كان مجد الإنسان سببا لخلوده في هذه الدنيا لكان (مطعم بن عدي) أولى الناس بالخلود لأنه حاز من المجد ما لم يحزه غيره، على يد أصحاب الشريعة.

(٢). وذلك كالفصل بأجنبي بين الموصوف والصفة، وبين البدل والمبدل منه، وبين المبتدأ والخبر، وبين المستثنى والمستثنى منه، ما يسبب ارتباكا واضطرابا شديدا.

(٣). فلفظة جفخت مرة الطعم، وإذا مرت على السمع اقشعر منها. ولو استعمل (المتنبي) عوضا عن جفخت (فخرت) لاستقام البيت، وحظي في استعماله بالأحسن.

(٤). بحيث يعمد المتكلم إلى التعبير عن معنى فيستعمل فيه كلمات في غير معانيها الحقيقة، فيسيء اختيار الكلمات للمعنى الذي يريده، فيضطرب التعبير ويلتبس الأمر على السامع نحو. نشر الملك ألسنته في المدينة، يريد جواسيسه والصواب نشر عيونه.