جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

أقوال ذوي النبوغ والعبقرية في البلاغة

صفحة 36 - الجزء 1

  فأما الخطب بين السّماطين، وفي إصلاح ذات البين، فالإكثار في غير خطل، والإطالة في غير إملال.

  وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك فقيل له: فإن ملّ المستمع الإطالة التي ذكرت أنها حق ذلك الموقف؟ قال: إذا أعطيت كل مقام حقه، وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام، وأرضيت من يعرف حقوق الكلام، فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو، فإنه لا يرضيهما شيء. وأما الجاهل فلست منه، وليس منك. وقد كان يقال: «رضاء الناس شيء لا ينال»⁣(⁣١).

  ٧ - ولابن المعتز: أبلغ الكلام: ما حسن إيجازه، وقلّ مجازه، وكثر إعجازه، وتناسبت صدوره وأعجازه⁣(⁣٢).

  ٨ - وسمع خالد بن صفوان رجلا يتكلم، ويكثر الكلام.

  فقال: اعلم - رحمك اللّه - أن البلاغة ليست بخفة اللسان، وكثرة الهذيان، ولكنها بإصابة المعنى، والقصد إلى الحجة⁣(⁣٣).

  ٩ - ولبشر بن المعتمر فيما يجب أن يكون عليه الخطيب والكاتب: رسالة من أنفس الرّسائل الأدبية البليغة، جمعت حدود البلاغة وصورتها أحسن تصوير. وسنذكر مع شيء من الإيجاز ما يتصل منها بموضوعنا - قال:

  خذ من نفسك ساعة نشاطك، وفراغ بالك، وإجابتها إياك، فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهرا، وأشرف حسبا، وأحسن في الأسماع وأحلى في الصدور، وأسلم من فاحش الخطأ، وأجلب لكل عين وغرّة من لفظ شريف، ومعنى بديع. واعلم أن ذلك أجدى عليك: مما يعطيك يومك الأطول بالكدّ والمطاولة والمجاهدة، وبالتكليف والمعاودة. وإيّاك والتوعّر، فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك، ويشين ألفاظك، ومن أراد معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقّهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجّنهما ...


(١). البيان والتبيين، جزء ١، ص ٩١، ٩٢.

(٢). نهاية الأرب، جزء ٧، ص ١١.

(٣). مختار العقد الفريد، ص ٩٨.