الباب الثاني في حقيقة الإنشاء وتقسيمه
  ٣ - وأما القسم: فيكون: بالواو، والباء، والتاء، وبغيرها نحو: لعمرك ما فعلت كذا.
  ٤ - وأما التّعجب: فيكون قياسا بصيغتين، ما أفعله، وأفعل به وسماعا بغيرهما، نحو:
  للّه درّه عالما، {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ}[البقرة: ٢٨].
  ٥ - وأما الرّجاء: فيكون: بعسى، وحرى، واخلولق، نحو: عسى اللّه أن يأتي بالفتح.
  واعلم أنّ الإنشاء غير الطلبي لا تبحث عنه علماء البلاغة، لأن أكثر صيغه في الأصل أخبار نقلت إلى الإنشاء. وإنما المبحوث عنه في علم المعاني هو: الإنشاء الطّلبي: لما يمتاز به من لطائف بلاغيّة.
  إذن يتضح أن الإنشاء الطلبي هو الذي يستدعي مطلوبا(١) غير حاصل(٢) في اعتقاد المتكلم وقت الطّلب. وأنواعه خمسة: الأمر، والنّهي والاستفهام، والّتمني، والنداء(٣).
  وفي هذا الباب خمسة مباحث.
(١). اعلم أنه إذا كان المطلوب غير متوقع كان الطلب (تمنيا) وإن كان متوقعا فأما حصول صورة أمر في الذهن فهو (الاستفهام) وأما حصوله في الخارج فإن كان ذلك الأمر انتفاء فعل، فهو (النهي) وإن كان ثبوته: فأما بأحد حروف (النداء) فهو النداء، وأما بغيرها فهو (الأمر).
وبهذا تعلم أن الطلب هنا منحصر في هذه الأنواع الخمسة لاختصاصها بكثير من اللطائف البلاغية.
(٢). أي لأنه لا يليق طلب الحاصل، فلو استعمل صيغ الطلب لمطلوب حاصل امتنع إجراؤها على معانيها الحقيقية، ويتولد من تلك الصيغ ما يناسب المقام، كطلب دوام الإيمان والتقوى في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ} وهلم جرا.
(٣). ويكون الإنشاء الطلبي أيضا، بالعرض والتحضيض، ولكن لم يتعرض لهما البيانيون لأنهما مولدان على الأصح من الاستفهام والتمني، فالأول من الهمزة مع لا النافية في «ألا» والثاني من هل ولو للتمني مع لا وما الزائدتين في «هلا وألا» بقلب الهاء همزة. وكذا: لولا ولو ما،
واعلم أن الإنشاء الطلبي نوعان، الأول ما يدل على معنى الطلب بلفظه ويكون بالخمسة المذكورة. والثاني:
ما يدل على الطلب بغير لفظه كالدعاء.