حديث الإفك
  بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ١٧}[الأحزاب] يخاطبهم الله تعالى: بأن فراركم لا يدفع عنكم ما تحذرون من القتل أو الموت، وإن نفعكم وسلمتم منه وقتاً فمتاعُ الدنيا قليل لا يستحق أن يؤثروه على الخير الكثير الباقي الذي لا ينفد ولا ينقطع، وافرضوا أنكم بفراركم قد دفعتم عن أنفسكم الهلاك وحصنتموها من القتل، فليس هناك من يدفع عنكم غضب ربكم إذا أراد أن يُحِلَّ بكم بأسه ويُذيقكم مرارة نقمته بما فعلتم من الفرار عن رسوله ÷ ومن النقض لعهده، فالله سبحانه وتعالى وحده هو القادرُ على إعطاءِ الرحمةِ وفعل النقمة، ولا أحد يقدر أن يحول بين الله وبين فعل الرحمة أو فعل النقمة.
  ثم أخبر تعالى عن المنافقين فقال جل شأنه: {۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا ١٨ ...} الآية [الأحزاب: ١٨]، قد علم الله سبحانه المنافقين الذين يثبطون أصحاب النبي ÷ عن القتال ويدعونهم إلى ترك الجهاد والمرابطة.
  وعلم سبحانه المنافقين الذين يدعون إخوانهم إلى ترك المرابطة مع النبي ÷ ويطلبون منهم الإِقبال إليهم، ثم ذكرهم الله تعالى ووصفهم بالجبن الشديد الذي يمنعهم من حضور ساحات القتال، وذمّهم أيضاً بصفة البُخْلِ الشديد، وصَوَّر تعالى في القرآن جُبْنَهم بصورة تكادُ أن تكون محسوسة فقال سبحانه: {فَإِذَا جَآءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَيۡتَهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ تَدُورُ أَعۡيُنُهُمۡ كَٱلَّذِي يُغۡشَىٰ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ}[الأحزاب: ١٩]، ثم صوّر تعالى كيف تكون حالهم وصفتهم في وقت الأمن فقال سبحانه: {فَإِذَا ذَهَبَ ٱلۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلۡخَيۡرِۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَمۡ يُؤۡمِنُواْ فَأَحۡبَطَ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى