لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[الرجوع إلى المدينة ونزول سورة الفتح]

صفحة 114 - الجزء 1

  عليه من الأمن واختلاط الناس مِمَّا تسبَّب ذلك في دخول الناس في الإسلام، فإنه دخل في تلك السنة في الإسلام أكثر مما دخل فيه في السنين التي قبلها.

  وكانت بنود الصلح كلها في صالح المسلمين حتى البند الذي اشترطته قريش على النبي ÷، وهو أن على النبي ÷ أن يرُدَّ إليهم من جاءه من قريشٍ وإن كان مسلماً، فإنه قد انعكس في صالح المسلمين، وذلك أنَّهُ أتى النبيَّ ÷ بعد وصوله المدينة رجلٌ من قريشٍ اسمه أبو بصير فأرسلت قريش رجلين إلى النبي ÷ فقالا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه النبيُّ ÷ إلى الرجلين، وقال له النبيُّ ÷: سيجعل اللهُ لكَ مخرجاً، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلا يأكلان، فتحيّل أبو بصير لسيف أحدهما، فأخذه وقتل به أحدهما، وفرّ الآخر، فجاء أبو بصير إلى النبيِّ ÷ وقال له: قد والله أوفى الله ذمتك، ثم قال النبي ÷: «ويل أمه، مسعر حرب لو كان معه أحد».

  فخرج أبو بصير حتى أتى سيف البحر⁣(⁣١)، ثم تفلت من قريش أبو جندل بن سهل فلحق بأبي بصير ثم لحق بهما كل من أسلم من قريش حتى اجتمع منهم عصابة، فلا يسمعون بتجارةٍ لقريش إلى الشام إلَّا اعترضوا لها فأخذوها وقتلوا أصحابها، فأرسلت قريش إلى النبي ÷ تُناشده الله والرحم أن يضمّهم إليه ويؤويهم ولا يردَّهم إليهم.

  ثم ذكر الله تعالى في هذه السورة البيعة فقال سبحانه: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا ١٠}⁣[الفتح: ١٠] وقال سبحانه:


(١) قال في لسان العرب: والسِّيفُ: سَاحِلُ الْبَحْرِ، وَالْجَمْعُ أَسْيَاف. ابْنُ الأَعرابي: الْمَوْضِعُ النَّقِيُّ مِنَ الْمَاءِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «فأَتينا سِيفَ الْبَحْرِ» أَي: سَاحِلَهُ. والسِّيفُ: مَوْضِعٌ. اهـ (منه باختصار).