لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[الرجوع إلى المدينة ونزول سورة الفتح]

صفحة 116 - الجزء 1

  ثم قال الله تعالى لأهل الحديبية: {وَلَوۡ قَٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} مِنْ أهل مكة {لَوَلَّوُاْ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ٢٢}⁣[الفتح: ٢٢]، وتمنَّنَ سبحانه على أهل الحديبية فقال سبحانه: {وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ} أيدي أهل مكة {كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ} أي: في الحديبية لأنّ الحديبية في طرف الحرم {مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ}⁣[الفتح: ٢٤] أي: من بعد أن حكم لكم بالظفر والنصر لو قاتلوكم.

  ثُمَّ قال سبحانه: {وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا ٢٥}⁣[الفتح: ٢٥]، المعنى والله أعلم: لولا وجود مؤمنين ومؤمنات في مكة مختلطين بالمشركين يُخْشَى عليهم القتل لو نشبت بينكم وبين المشركين الحرب فيلحقكم سوء القالة من المشركين بأنكم قتلتم أهل ديانتكم بالإضافةِ إلى ما يلحقكم من الديات والكفَّارات في قتلِ الخطأ؛ لأنَّ دم المسلم لا يُهدر، فلو تميَّز هؤلاء المؤمنون والمؤمنات من بين المشركين وخرجوا جانباً لسلَّطناكُم عليهم، ولما كفَفْنا أيديهم ولا أيديكم، ولعذَّبنا مُشركي قريش بسيوفكم عذاباً أليماً.

  ثم قال سبحانه: {إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا ٢٦}⁣[الفتح: ٢٦]: أَنِفَ مشركو مكة واستكبروا عن التصديق برسول الله ÷ والإيمان به، وأبوا الاعتراف بالتوحيد لله, ومنعوا رسول الله ÷ من زيارة البيت, ورفضوا كتابةَ: «» في الصُلْح، وكتابة «محمد رسول الله ÷»؛ لذلك أنزل