لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

التدريج في الدعوة

صفحة 39 - الجزء 1

  من غُلوِّهم في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية حتى بلغوا بهم المنزلة التي لا تنبغي إلا لربّ العالمين، حيث حرّموا النقد عليهم وتوجيه التساؤلات إليهم، وقد أخبر تعالى أن هذه الصفة ليست إلا له جلّ وعلا، فقال سبحانه: {لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ ٢٣}⁣[الأنبياء].

  وهذه هي المرحلة الأولى من البعثة.

  والمرحلة الثانية جاءت بعد السنوات الثلاث، أمره الله تعالى أن يدعو عشيرته الأقربين: {وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ ٢١٤}⁣[الشعراء: ٢١٤]، فلمَّا أمره الله تعالى بذلك أمَرَ عليّاً # أن يجمع له بني عبد المطلب وهم أربعون رجُلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً، فجمعهم عليٌّ وذبحَ لهم شاةً فلما أكلوا وشبعوا وتهيأَ النَّبيُّ ÷ لِلكلام والدعوة، تكلّم أبو لهب فقال: سَحَركم الرجُل، فلم يتهيأ لِلنبي ÷ يومئذٍ الكلام، فأمر عليّاً أن يجمعهم له مرة أخرى وأن يذبح لهم شاةً، فلمَّا شَبِعُوا تكلّم النبي ÷ في بني عبد المطلب، ودعاهم إلى الإسلام، واحتجّ عليهم بدلائل صدقهِ ونبوّته، فلم يجبه أحدٌ إلا علي # فإنه آمن بِهِ وصدَّقه، وكان علي كما يقول هو عن نفسه: (أحمشهم ساقاً، وأعظمهم بطناً).

  وقد كان النبي ÷ قال لهم من جملة ما قال: «من يبايعني منكم على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي ...» إلخ⁣(⁣١)، فلم يجبه أحد إلا علي # فقال أبو


(١) خبر الإنذار ويسمى أيضاً خبر الدار: رواه نجم آل الرسول الإمام القاسم بن إبراهيم # في مجموعه، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة #، والكوفي في المناقب والحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين وغيرهم، ورواه من المخالفين: البغوي في تفسيره والخازن في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره والثعلبي في تفسيره، ومن المحدثين: النسائي في سننه وأحمد بن حنبل في مسنده، والضياء في المختارة، وابن جرير الطبري في تاريخه، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. انتهى. هذا، والخبر مروي عن أمير المؤمنين علي # والعباس والبراء وأبي رافع.