لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

التدريج في الدعوة

صفحة 40 - الجزء 1

  لهب لأبي طالب: قد أمرك مُحَمَّدٌ أن تسمع وتطيع لابنك، وقد كان أبو طالب شيخ بني هاشم وسيّدهم المطاع، بل وسيّد قريش على الإطلاق، فكان لذلك يحافظ على مكانته فيهم؛ لذلك أخفى إسلامه في أول الأمر لتتسنى له المناصرة للنبي ÷ والمدافعة عنه والمحافظة عليه، ولو أنه أعلن إسلامه من أول يوم لتركته قريش وبنو هاشم وعصوه وخالفوه، ولما استطاع حماية النبي ÷ ولا المدافعة عنه.

  ثم جاءت بعد ذلك المرحلة الثالثة: أمره الله تعالى بتعميم الدعوة في قريش فقال له سبحانه وتعالى: {فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٩٤}⁣[الحجر: ٩٤]، فدعا النبي ÷ قريشاً، فقال ÷: «يا بني عبدالمطلب يا بني فهر يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفحِ هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أصدقتموني؟» قالوا: نعم، قال: «فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديد»، فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم أما دعوتنا إلَّا لهذا؟ فأنزل الله سُبحانه وتعالى: {تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ ١} ... إلخ [المسد].

  وعلى الجملة فقد صدع النبي ÷ في قريش بالدعوة، وبالغ فيها بكل جِدٍّ وإخلاص حتى لقد كاد ÷ أن يقتله الأسف حين لم يُسلموا، وكادت شفقته عليهم من غضب الله أن تصرعه حين فاته إسلامهم، وما زال مع ذلك يُتابعهم ويُلاحقهم بالنصيحة والدعوة المخلصة حتى رحمه ربه جلَّ وعلا مما هو فيه من النَّصَبِ والتَّعَبِ والعناءِ في ملاحقتهم والشفقة عليهم من غضب الله تعالى فقال له تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا ٦}⁣[الكهف: ٦].