لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[حال المسلمين بعد الهجرة]

صفحة 71 - الجزء 1

  فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ ٦}⁣[الأنفال].

  وكان جدالهم للنبي ÷ من الجدال الذي يدل على كراهة مواجهة قريش نحو: نحن في قِلَّة قليلة، وعلى غير استعداد لمواجهة مثل ذلك الجيش الكبير الخارج من مكة، فلو أنك أخبرتنا لأعددنا من العَدَدِ والعُدَّةِ ما يكفي، وكان هذا الفريق من المؤمنين غير مُقتنعين بالرأي الذي عزم على مواجهة قريش لما هم فيه من قلة العَدَدِ والعُدَّةِ، ورأوا أنَّ الدخولَ في معركة مع جيش قريش الكبير غيرُ نافعٍ للإسلام، وأنَّ نتيجَتَهُ ستكون بلا شك في صالح قريش، وأنَّ المسلمين لا يكسبون من هذه المواجهة إلا القتل المحقق، وكان نظر هذه الطائفة المؤمنة صادراً على ما جرت به العادة في الحروب من غلبة القوي على الضعيف، والكثير على القليل، ولكن الله تعالى لحكمته وعلمه أراد أن يجعل في هذا اللقاء الذي هو اللقاء الأول بين المسلمين والمشركين - تحقيقَ حكمه بإذلال متمردي قريش ومتكبريهم بالقتل والأسر والهزيمة والذلة، وأن يذيقهم في هذا اللقاء جزاء تكبرهم على الله ورسوله ÷، وجزاء استهزائهم بالقرآن والرسول ÷ وجزاء التكذيب والأذى والعذاب والشتم للنبي ÷ والمسلمين، مع ما أراد سبحانه في هذا اللقاء من تحقيق الوعد الذي سبق من إعلاءِ كلمةِ الله وإعزاز النبي ÷ والمسلمين ورفعِ شأنهم، وهذا هو ما عبَّر الله تعالى عنه في قوله: {وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٧}⁣[الأنفال]؛ ولما ذكرناه سَمَّى الله تعالى يوم بدر: {يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ}⁣[الأنفال: ٤١]، ومعنى يوم الفرقان: هو يوم الحكم بين المسلمين ومشركي قريش، وحكم الله في هذا اليوم هو نصرُ الحقِّ والمحِقِّين، ورفعُ رايتهم، وإذلالُ الشرك والمشركين، وإسقاطُ عِزَّتِهم وكبريائِهم.