لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[حال المسلمين بعد الهجرة]

صفحة 72 - الجزء 1

  وحين استيقن المؤمنون أنه لا بُدَّ من مواجهة قريش وذلك حين حطّوا رحالهم على جانب وادي بدر، وقريش حطّوا رحالهم على الجانب الآخر من الوادي، وكانت عِيْرُ قريش قد فاتتهم فهي في طريق الساحل وبينهم وبينها مسافة طويلة، وقد ذكر الله تعالى ذلك فقال: {إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا}⁣[الأنفال: ٤٢].

  فكان اجتماع الفريقين على جانبي وادي بدر في وقت واحد اجتماعاً تَوَلَّى الله تعالى تيسيره وتدبيره، ولم يكن بين الفريقين في ذلك أيُّ وعد.

  حين استيقن المؤمنون المواجهة رفعوا أيديهم ومدّوا أعناقهم يدعون الله ويستغيثون به، فرحمهم الله تعالى واستجاب لهم فأمدَّهم بالملائكة التي في نزولها معهم ما يُطَمْئِنُ قلوبهم الخائفة، ويُقَلِّلُ من خوفها وفزعها، ويبعث في نفوسهم الأمل بالنصر، ويطرد عن قلوبهم اليأس المستولي عليها، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ١٠}⁣[الأنفال].

  ثم أرسل الله تعالى عليهم النوم الذي كان قد طرده الخوف والفزع؛ ليرجع إلى قلوبهم الأمن والاطمئنان والسكينة، وأنزل عليهم المطر ليتطهروا به من نجاسات البدن كالمني والجنابة والبول والغائط، وليذهب عنهم به رجز الشيطان ورجزه هو وساوسه، وقد قيل: إن المشركين كانوا قد غلبوا على الماء، فكان المسلمون يصلُّون مُجْنِبِينَ ومُحدِثِين مع ما لحقهم من الظمأ، فوسوس إليهم الشيطان بسبب ذلك قائلاً: لو كنتم على الحق وقريش على الباطل لما كنتم على هذه الحالة السيئة وقريش في حالة حسنة.