مجموع السيد حميدان،

حميدان يحيى القاسمي (المتوفى: 700 هـ)

[الكلام في معرفة الحجج الدالة على بطلان الإحالة]

صفحة 388 - الجزء 1

  وفي صحة ذلك بطلان ما ادعته المطرفية وتعاطته من معرفة علل جميع المحن، وتسميتهم لها ظلماً، ولمذهبهم عدلاً.

  والثالثة: قوله سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ٤٢ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٤٣ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ... الآية}⁣[الأنعام]، فانظر كيف أخبر الله سبحانه أنه ابتلى جميع الأمم بالبأساء والضراء ليتضرعوا إليه، ويتذكروا ويتفكروا بعقولهم أنه لا يقدر على الضر والنفع إلا الله سبحانه؛ فيخافوه ويرجوه، ولا يعصوه فيما أمرهم به سبحانه ونهاهم عنه.

  فلما لم يتضرعوا إلى الله سبحانه [ويستدلوا بذلك عليه سبحانه، و]⁣(⁣١) أضافوه إلى غيره كما فعلته المطرفية في تنزيههم لله سبحانه عن ذلك خلاَّهم على غوايتهم، وأنزل عليهم من محاسن الدنيا ما يوافق هوى أنفسهم، ثم لما أتى أجلهم وهم على ضلالتهم أخذهم الله سبحانه، وكان ذلك كالمباغتة لهم على غرة، ولم يتركهم سبحانه على غرة من أمرهم، بل عمَّر وأنذر وحذر وبصر، فاختاروا العمى على الهدى، فافهم ذلك.

  والرابعة: قوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}⁣[الأنعام: ١٦٥]، فانظر كيف صرح سبحانه بأنه الذي يخلق أهل كل عصر خلفاً عمن قبلهم، وفضل بعضهم على بعض ابتلاء منه سبحانه واختباراً.

  والخامسة: قوله سبحانه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٠٧}⁣[يونس]، فانظر كيف صرح سبحانه بأنه لا شريك له في إنزال الخير ورفعه، والشر ودفعه.


(١) زيادة من نخ (أ، ج).