تقسيم السكاكي للاستعارة
  أما قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً}(١) فحيث اتفق على أنه تشبيه تمثيل يحمل على أن القضيتين المخصوصتين المشتملتين على أشياء متعددة اعتبرت هيئتها طرفين فشبهت إحداهما بالأخرى، ولا يضر في التركيب صحة التعبير عن ذلك بمفرد؛ لأن مناط التركيب في الطرفين والوجه هو اعتبار أشياء ليست بأجزاء لكنها ضمت وتلاصقت حتى صارت كالأجزاء وهو موجود فيما ذكر، وعليه يكون المثل ليس أحد الطرفين في الحقيقة، وإنما دخلت أداة التشبيه عليه توسعا من حيث إنه يصدق على الهيئة، وإن كان مفهومه مخالفا وفائدة التعبير به الإشعار بالتركيب، وأن المعتبر هو الهيئة المتضامة؛ لأنه بنفسه أعني المثل لا يصح فيه التشبيه من حيث المفهوم كما لا يخفى، إذ لا معنى لقولنا مثلهم كمطلق المثل، فعلم أن الطرفين هما الهيئتان المعتبرتان في أشياء عديدة مخصوصة، إذ لو ولى أداة التشبيه لفظا آخر فربما توهم أنه هو المشبه به أو المشبه بخلاف المثل فهو من حيث ذاته ومفهومه لا يصلح لذلك، فأفاد أن المقصود الهيئة، والأصل في الهيئة المشبه بها أن ينقل لفظها التركيبى جميعا إلى المشبهة وقد يستغنى ببعض ألفاظ تلك الهيئة لكونه أخص دلالة من غيره، وذلك كما في قوله تعالى {عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ}(٢) فإن فيه ثلاثة أوجه من التجوز.
  الأول: أن يقدر أن فيه تشبيه الهدى بمركوب يوصل إلى المقصود، فأضمر التشبيه بالنفس وأتى معه بلوازمه مما يدل على الركوب وهو لفظ «على» وهذا الوجه يصير ما في التركيب من التجوز من باب الاستعارة بالكناية.
  والثاني: أن يقدر أن فيه تشبيه تمسكهم بالهدى وأخذهم به بعلو راكب مركوبا له والتصاقه به ثم استعملت فيه «على» التي هي من حروف الجر تبعا لذلك التشبيه، وعلى هذا تكون الاستعارة فيه تبعية في الحرف.
  والثالث: أن يقدر أن فيه تشبيه مجموع هيئة المهتدى والهدى وتمسكه به بهيئة
(١) البقرة: ١٨.
(٢) البقرة: ٥.