مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

(أحوال الإسناد الخبرى)

صفحة 153 - الجزء 1

(أحوال الإسناد الخبرى)

  وهو ضم كلمة أو ما يجرى مجراها إلى أخرى على وجه يفيد أن مفهوم إحداهما ثابت لمصدوق أو مفهوم الأخرى، وإنما فسرناه بضم كلمة لا بإثبات مفهوم لمفهوم كما قيل للقطع بأن الإسناد من عوارض الألفاظ لا من عوارض معانيها، والمراد بما يجرى مجرى الكلمة: ما يؤول بها ولو كان جملة فى نفسه، كقولنا: زيد أبوه قائم وعمرو ضحك صاحبه ثم مهد لتفصيل أحوال الإسناد الخبرى قوله: «لا شك أن قصد المخبر» أى: المعلم بمضمون الخبر، لا من يلقى الجملة الخبرية ويتلفظ بها فى الجملة، فلا يتعين أن يكون قصده ما ذكر؛ لأنه قد يلقى الجملة الخبرية لمجرد التحسر والتحزن، كما قال تعالى حكاية عن امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى}⁣(⁣١) فمرادها إظهار التحزن على ما فات من رجائها، وهو كون ما فى بطنها ذكرا، ولغير ذلك كقوله تعالى حكاية عن زكريا - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام - {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي}⁣(⁣٢) وليس مراده الإفادة، وإنما مراده التخضع وإظهار الضعف، ومثل هذا كثير (بخبره) أى: مقصود بخبره فهو متعلق بقصد (إفادة المخاطب) خبر أن، أى: إفادة المخبر المخاطب أحد أمرين (إما الحكم): وهو وقوع النسبة أو لا - وقوعها لا إيقاعها - أو انتزاعها وإلا لم يتطرق إليه الإنكار والتكذيب، وإنما كان المقصود ما ذكر؛ لأنه مدلول الكلام، وكونه مدلول الكلام مع قصد إفادته لا يقتضى وقوعه جزما؛ لأن الدلالة وضعية يصح تخلفها.

  ومن قال: الكلام لا يدل على وقوع النسبة أراد أنه لا يقتضى وقوعها جزما، كما قلنا لا أنه لا يفهم الوقوع منه، فإن ذلك هو مفهوم الكلام قطعا، ولا يصح إنكاره، فإنا إذا قلنا: زيد قائم فمفهومه ومدلوله ثبوت القيام لزيد، وأما احتمال عدم الثبوت فليس مدلولا للفظ أصلا، بل احتمال عقلى من جهة صحة تخلف الدلالة لكونها وضعية، وقد تقدم التنبيه على هذا (أو كونه) أى: المخبر (عالما بالحكم) لأن


(١) آل عمران: ٣٦.

(٢) مريم: ٤.