مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

(الحقيقة والمجاز)

صفحة 237 - الجزء 2

(الحقيقة والمجاز)

  أي هذا مبحث الحقيقة والمجاز قد تقدم أن فن البيان اعتبرت فيه ثلاث مقاصد؛ باب التشبيه، وباب المجاز، وباب الكناية، ولما فرغ من باب التشبيه شرع الآن في المجاز، وقد تقدم وجه عد التشبيه بابا مستقلا ووجه تقديمه على المجاز وإذا كان المقصود في هذا المبحث هو المجاز؛ لأن مقصد البياني وهو إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة إنما يتأتى بالمجاز والكناية لا بالحقيقة، وقد تقدم بيان ذلك مع ما يتعلق به، فذكر الحقيقة مع المجاز لمناسبة بينه وبينها لأنه إذا نظر إلى مفهوميهما يوجد بينهما شبه العدم والملكة؛ إذ الحقيقة لفظ استعمل فيما وضع له الخ، والمجاز لفظ استعمل في غير ما وضع له الخ، فقد اعتبر في حدها ثبوت الموضوع له، وفي حده نفيه وإذا نظر إلى ذاتهما خارجا فهو كالفرع عنها؛ لأن غالب المجاز له حقيقة، وإنما قلنا غالب المجاز، لأن التحقيق عدم توقفه عليها؛ كما فى الرحمن، فإنه استعمل مجازا في المنعم على العموم والإطلاق، ولم يستعمل في المعنى الأصلي، والحقيقة يشترط فيها الاستعمال؛ فهو مجاز لم يتفرع عن حقيقة؛ فلهذا قلنا كالفرع عنها ويحتمل أن يقال أنه فرع عنها؛ أي عن صحتها؛ لأنه لا يوجد إلا فيما تقدم له وضع يصح أن يستعمل فيه حقيقة.

  ولما كان كالفرع عنها باعتبار ذاته، وكالعدم مع الملكة باعتبار المفهوم، والأصل سابق على الفرع، والملكة سابقة على عدمها جرت العادة بالبحث عنها أولا (و) الحقيقة والمجاز حيث ذكرا كثيرا ما يذكران مطلقين؛ كما تقدم، وربما (يقيدان باللغويين) ويراد بكونهما لغويين ثبوت الحقيقية والمجازية لهما باعتبار الدلالة الوضعية؛ ليتميزا بذلك عن الحقيقة والمجاز العقليين اللذين ثبتت لهما الحقيقية والمجازية باعتبار الإسناد الذي هو أمر عقلي؛ كما تقدم في صدر الكتاب وإنما كثر إطلاقهما عن التقييد باللغويين لأمرين: أحدهما: أن ما ذكر من فائدة التقييد وهي الاحتراز عن العقليين حاصل بالإطلاق؛ لأنهما إذا أطلقا انصرفا إلى غير العقليين، وإذا أريد العقليان قيدا بالنسبة