مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

استطراد إلى التغليب

صفحة 330 - الجزء 1

  الله تعالى مما يحوج إلى تكلف التخريج الذى لا يخلو عن بحث، وأما الجواب بأنه لما كان بعضهم مرتابا وبعضهم غير مرتاب، صار الجميع كالمشكوك فى ريبهم ضرورة صدق تردد الريب وعدمه فيما بينهم كتردد النسبة فى المشكوك، فهو خروج عن باب التغليب المنصوص عليه، ولو كان هذا الاعتبار من مواقع إن أيضا فالصواب فى الجواب هو ما تقدم من أنه بعد التغليب، وتصيير الجميع غير مرتابين فرض ذلك الريب كما يفرض المحال، والمحال يفرض كما تقدم كثيرا، لتبكيت الخصم أى: إسكاته وإلزامه كقوله تعالى {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا}⁣(⁣١) فإن الإيمان بمثل القرآن محال لعدم وجوده يفرض لما ذكر وكقوله تعالى {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ}⁣(⁣٢) والتبكيت فى فرض المحال يكون من جهة أن الخصم إذا تنزل معه إلى إظهار مدعاه فى صورة المشكوك اطمأن لاستماعه، فحينئذ يرتب عليه لازم مسلم الانتفاء كما فى المثال الأول، أو لازم قاطع لرجائه بتمكنه فى ذهنه كما فى الثانى بناء على أن المراد فأنا أول النافين، ثم إنه كان ينبغى للمصنف حيث ذكر أن إن قد تخرج عن أصلها أن يذكر أن إذا كذلك كما أشعر به قوله، وأصل إذا الجزم بوقوع الشرط، فيقول - مثلا -: وقد تستعمل إذا فى مقام الشك؛ للإشعار بأن الشك فى ذلك المقام مما لا ينبغى لعدم مناسبته كقولك لمن قال لا أدرى: هل يتفضل عليّ الأمير بهذا النوال أو لا إذا تفضل عليك كيف يكون شكرك إشعارا بأن الأمير لكرمه لا ينبغى الشك فى تفضله ونحو ذلك ولعله لم يذكره لقلته بالنسبة لخروج إن عن أصله - فانظره.

استطراد إلى التغليب

  (والتغليب) الذى هو أن يعطى أحد المصطحبين أو المتشاكلين حكم الآخر، وقد تقدمت صورة منه باب واسع (يجرى فى فنون) أى: أنواع من المعانى وأساليب من الكلام كثيرة (كقوله تعالى) فى وصف مريم {وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ}⁣(⁣٣) فمن فى قوله من


(١) البقرة: ١٣٧.

(٢) الزخرف: ٨١.

(٣) التحريم: ١٢.