مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

(الفن الأول) علم المعاني

صفحة 138 - الجزء 1

(الفن الأول) علم المعاني

  والإخبار عنه بأنه علم المعاني، ولو كان معلوما مما قبله ليناسب الفنين بعده، والإخبار عنهما صحيح لطول العهد، وقدمه على علم البيان؛ لأن ثمرة علم المعاني رعاية المطابقة لمقتضى الحال، وثمرة البيان هى الاحتراز عن التعقيد المعنوى، وذلك بسبب معرفة إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة مع معرفة المقبول منها ليترك غيره، وثمرة العلم الثانى إنما تعتبر بعد حصول ثمرة الأول، فصار الأول باعتبار مرجعه وثمرته كالجزء للثانى باعتبار مرجعه وفائدته فى عدم وجود الثانية بدون الأولى، كما لا يوجد الكل بدون الجزء، كذا يستفاد من كلامهم وفيه نظر؛ لأن اعتبار المطابقة أيضا لا عبرة بها فى باب البلاغة بدون انتفاء التعقيد المعنوى الذى إنما ينتفى بمعرفة الإيراد على الوجه المقبول، وإن أريد وجود حاصل الفنين من غير مراعاة باب البلاغة صح وجود كل منهما بدون الآخر، بل المتبادر أن البيان هو الذى يكون للمعانى كالجزء؛ لأن مفاده جزء من أجزاء الفصاحة التى هى شرط فى البلاغة التى هى المطابقة لمقتضى الحال، وعلم المعانى أمس بالمطابقة من غيره، نعم معرفة إيراد المعنى الواحد بالطرق المختلفة بعد انتفاء التعقيد المعنوى عن جملة تلك الطرق، إذا اعتبرت بالقبول أى: من حيث معرفة ما يناسب المقام منها، فيعتبر، وما لا، فلا تستلزم فى باب البلاغة معرفة المطابقة فى الجملة لمقتضى الحال، كاستلزام الكل الجزء، ولا تستلزم معرفة المطابقة معرفة هذا الإيراد، وهذا كاف فى مناسبة التقديم، لكن هذا إذا قطع النظر عن معرفة نفى التعقيد المعنوى، وإلا فهو ملازم لمعرفة الإيراد المذكور، ومعرفة المطابقة فى باب البلاغة لا تتم إلا بذلك فيعود الأول تأمل.

  ثم لما كان الطالب لمسائل ينبغى له علمها بجهة تجمعها ليأمن من تضييع وقته فيما لا يعنيه قدم التعريف الجامع لمسائل الفن فقال: (وهو علم) أى: ملكة يقتدر بها على إدراكات أمور جزئية، وتحقيق ذلك أن القواعد المقررة فى الفن توجب ممارستها، وكثرة تصفحها قوة يصح لمن قامت به أن يدرك بها ما يدخل تحت القصد، مما يرد