مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تقديم المسند إليه وأغراض ذلك

صفحة 244 - الجزء 1

  خصصتك بهذه الحاجة أى جعلتها لا تتعداك إلى غيرك، وليس المعنى خصصتك أنت بها فلا تتعداها إلى حاجة أخرى، ومن هذا الاستعمال قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}⁣(⁣١) أى: نخصك بالعبادة أى: نجعل عبادتنا لا تتعدى إلى غيرك، لا أنك تختص بها فليس لك من الأحوال والأوصاف غيرها، وإذا تقرر أن ما استعمله المصنف موجودا عرفا لم يرد أن العبارة مقلوبة، وهو ظاهر والله أعلم.

  ولا يذهب عنك أيضا أن هذه المباحث المذكورة فى العطف والفصل، ولو فصلت فى النحو تذكر فى البيان باعتبار استعمالها لمناسبة الحال، والمحافظة عليها فى مقاماتها إما لذاتها لأن المقام لا يفيد فيه غيرها أو لأغراض تترتب عليها وقد تقدم نحو هذا غير ما مرة.

تقديم المسند إليه وأغراض ذلك

  (وأما تقديمه فلكون ذكره أهم) أى: يقدم المسند إليه على المسند؛ لأن ذكر المسند إليه أهم والمراد بالتقديم هنا أن لا يحول عن مرتبته بأن ينطق به أولا لا أن له مرتبة التأخير فقدم عنها كالمفعول باعتبار الفاعل، وكثيرا ما يطلق التقديم على المعنى الأول وهو المراد هنا ثم كون الذكر أهم لا يكفى فى علية التقديم لذاته؛ لأن الأهمية بنفسها حكم يفتقر إلى علة توجبها إذ الأهمية فى الشيء هى الاعتناء به، والاعتناء لا بد له من سبب فلذلك لو قيل هذا أهم من ذلك، كان هذا القائل بصدد أن يقال له: لماذا كان أهم، ومن أى وجه كانوا به أعنى؟ فلذلك فصل أوجه الأهمية على حسب ما رآه كافيا فى الحال فقال: (إما لأنه) أى تقديم المسند إليه (الأصل) من جهة المعنى، وفى الخارج بمعنى أن المسند إليه المحكوم عليه من شأنه أن يكون ذاتا خارجية، ولا يضر خروجها عن ذلك فى بعض الصور، كالقضايا الذهنية والمحكوم به من شأنه أن يكون وصفا، ومن شأن الذات المعروضة التقرر قبل الوصف العارض، ولا يضر الخروج أيضا عن هذا الأصل فى بعض الصور كالأوصاف الملازمة، وأما حمله على أن تعقل الذات المحكوم عليه سابق عن تعقل الحكم فلا يصح إذ لا يسلم تقدم المسند إليه على المسند


(١) الفاتحة: ٥.