مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

استعمال الأمر للتسوية

صفحة 506 - الجزء 1

  حال استعمال الصيغة، والإهانة لا يحصل فيها الفعل أصلا، لوجوده وقبل، بل الغرض منه إظهار أن لا محل لهم فى المراعاة، وتحقيرهم بإظهار قلة المبالاة، والتحقير قريب من الإهانة، وقد استعمل فيه الأمر فى قوله تعالى - حكاية عن موسى - صلّى الله على نبينا وعليه وسلم - {أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ}⁣(⁣١) أى: أن ما جئتم به من السحر حقير بالنسبة للمعجزة، وإنما قلنا قريب؛ لأن كل محتقر فى الاعتقاد أو فى الظاهر فهو مهان فى ذلك الاعتقاد، أو الظاهر أى: مذلل، ولو كانت الإهانة بالقول، أو بالفعل غالبا، والاحتقار كثيرا ما يقع فى الاعتقاد، والحاصل أنه إن شرط فى الإهانة وهى التصغير إظهار ذلك قولا أو فعلا - كما أشرنا إليه فيما تقدم - فهى أخص من مطلق التحقير، وإن لم يشترط فهما شيء واحد، والعلاقة بين الأمر والتسخير والإهانة مطلق الإلزام، فإن الوجوب إلزام المأمور، والتسخير والإهانة إلزام الذل والهوان، والصيغة فيهما تحتمل أن تكون إنشاء أى: إظهارا لمعناهما أو إخبارا بالحقارة، والمذلة، فكأنه على هذا قيل فيهم هم بحيث يقال فيهم أنهم أذلاء محتقرون ممسوخون، وكونها للإخبار فى الإهانة أظهر منه فى المسخ - فتأمله.

استعمال الأمر للتسوية

  (و) ك (التسوية) بين شيئين هما بحيث يتوهم المخاطب أن أحدهما أرجح كقوله تعالى: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ}⁣(⁣٢) فإنه ربما يتوهم أن الإنفاق طوعا مقبول دون الإكراه، فسوى بينهما فى عدم القبول وكذا (نحو) قوله تعالى {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا}⁣(⁣٣) فإنه ربما يتوهم أن الصبر نافع فدفع ذلك بالتسوية بين الصبر وعدمه، ويمثل بهذا للتسوية فى النهى، فالصيغة فى المحلين ليس المراد بها الأمر بالإنفاق، ولا الأمر بالصبر، بل المراد كما دلت عليه القرائن التسوية بين الأمرين، والفرق بين التسوية والإباحة أن الإباحة يخاطب بها من هو بصدد أن يتوهم المنع من


(١) يونس: ٨٠.

(٢) التوبة: ٥٣.

(٣) الطور: ١٦.