مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فلم يبق منى الشوق غير تفكرى

صفحة 387 - الجزء 1

  وأما لو كان المعنى: لو شئت أن أبكى تفكرا بكيته لم يفد أنه لم يبق منه إلا التفكر؛ لصحة بكاء التفكر الذى هو الحزن والكمد عند كثرته مع بقاء مادة أخرى، وهذا المعنى لا يناسب قوله

فلم يبق منى الشوق غير تفكرى

  فتقرر بهذا اندفاع ما ذكره صدر الأفاضل، واندفاع ما ذكر غيره فى أن المراد لم تبق فى مادة دمع فصرت أقدر على بكاء التفكر؛ لأن كلام هذا القائل ولو كان فيه بيان أنه لم تبق فيه مادة الدمع زيادة على ما ذكر صدر الأفاضل يرجع إلى كلامه؛ لأن صدر الأفاضل يمكن حمل كلامه - أيضا - على أن المراد لم تبق فيه مادة الدمع، ولو لم يصرح بذلك فصار يقدر على بكاء التفكر؛ بل ذلك مراده قطعا لتقدمه فى كلام الشاعر.

  ووجه الرد عليهما واحد، وهو أن المبالغة المناسبة لقوله

فلم يبق منى الشوق غير تفكرى

  لا يفيدها بيانه أنه قادر على بكاء التفكر؛ لصحة هذه القدرة مع بقاء المادة التى نفى هذا القائل وجودها، وإنما يناسب نفى وجودها كونه إذا طلب بكاء آخر لم يجد سوى التفكر؛ لكن على هذا كان ينبغى أن يراد بالبكاء مطلق البكاء الصادق ببكاء الدمع والدم وغير ذلك، وأنه لو طلب أى بكاء لم يجد إلا بكاء التفكر، لا أن يراد بكاء الدمع بالخصوص الذى هو الحقيقى، فليتأمل.

  وما ذكرنا من أن الكلام من باب ما ذكر فيه مفعول المشيئة؛ لعدم وجود دليل الحذف للتخالف بين الجواب ومفعول الشرط هو الذى يجب أن يحمل عليه الكلام لا ما قيل من أن الكلام فى مفعول أبكى، والمراد أن هذا الكلام حذف فيه المفعول لغرض آخر لا للبيان بعد الإبهام؛ لأنه لو أراد المصنف ذلك لكان يجب أن يقول حينئذ؛ لأن المحذوف فعل أبكى لا فعل المشيئة حتى يكون من البيان بعد الإبهام، وأيضا الكلام فى مفعول المشيئة وتفصيله لا فى مفعول آخر وأيضا المراد الرد على من زعم أنه ذكر للغرابة، ولذلك قال؛ لأن المراد بالأول البكاء الحقيقى، وليس المراد الرد