مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

ضرب أخرج مخرج المثل

صفحة 667 - الجزء 1

ضرب أخرج مخرج المثل

  (وضرب) أى: نوع آخر (أخرج مخرج المثل) بأن لا يقصد بالجملة الثانية المذيل بها حكم موقوف على الجملة الأولى، بل يقصد بها حكم كلى أى: غير متقيد بالجملة الأولى حتى يكون كجزئى معين لتعلقه بشيء يشار إليه، كالشخص بل يكون منفصلا عما قبله جاريا مجرى المثل فى وصفيه، وهما الاستقلال كما بينا، وفشو الاستعمال؛ لأن ذلك شأن الأمثال هذا هو المتبادر من إلحاق هذا الضرب بالمثال.

  والحق أن المشترط فى جريانه مجرى المثل، هو الاستقلال كما بينا عند التفريق بينه وبين القسم الأول، بالتوقف على ما قبله وعدمه. وأما فشو الاستعمال فلا دليل على اشتراطه فيه ثم مثل لهذا القسم بقوله (نحو) قوله تعالى: ({وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً})⁣(⁣١) ولا يخفى أن الجملة الثانية، وهو إن الباطل كان زهوقا لا توقف لمعناها على الأول، وقد تضمنت معنى الأولى، وهو زهوق الباطل أى: اضمحلاله وذهابه ومفهوم النسبتين مختلف؛ لأن الثانية اسمية مع زيادة تأكيد فيها، فصدق عليه اسم الضرب الثانى من التذييل وتأكيد زهوق الباطل مناسب هنا، لما فيه من مزيد الزجر عنه والإياس من أحكامه الموجبة للاغترار به.

  وقد اجتمع الضربان فى قوله تعالى: {وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ ٣٤ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ}⁣(⁣٢) فجملة {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} من الضرب الثانى لاستقلالها وذلك ظاهر وجملة (أفإن متّ فهم الخالدون) من الأول، لارتباطها بما قبلها؛ لأن الفاء للترتيب على ما تقتضيه الأولى إذ كأنه يقال أينتفى ذلك الحكم الذى هو أن لا خلود لبشر بالنسبة إليهم، فيترتب أنك إن مت فهم الخالدون، والاستفهام للإنكار أى: لا ينتفى ذلك الحكم فلا يترتب أنك إن مت فهم الخالدون.


(١) الإسراء: ٨١.

(٢) الأنبياء: ٣٤، ٣٥.