مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

استعمال الأمر للدعاء

صفحة 508 - الجزء 1

  ولذلك يتشكى مظهرا لبعد النجاة، وأما لو كانت مرجوة الانكشاف لم تستحق التشكى من ليلها الملازمة له، وقوله:

  وما الإصباح منك بأمثل.

  أى: أفضل، كلام تقديرى على هذا، فكأنه يقول: هذا الليل لا طماعية فى زواله؛ لكثرة أحزانه ولزومها وشدتها بظلمته فلا تنكشف بانشكافه، وعلى تقدير الانكشاف فالإصباح لا يكون أمثل منه، للزوم الأحزان على كل حال.

استعمال الأمر للدعاء

  (و) ك (الدعاء) وهو الطلب على وجه التضرع والخضوع، وذلك (نحو) قولك: {رَبِّ اغْفِرْ لِي}⁣(⁣١) ويكون من الأدنى إلى الأعلى، فلو قال العبد لسيده - على وجه الغلظة: - أعتقنى، كان أمرا، ولذلك يعد الأمر من العبد سوء أدب؛ لأن الأمر لا يكون إلا مع استعلاء كما تقدم - ولكن أورد على اشتراط الاستعلاء فى مسمى الأمر قوله تعالى - حكاية عن فرعون - {فَما ذا تَأْمُرُونَ}⁣(⁣٢) فقد استعمل الأمر فى طلب ليس فيه استعلاء؛ لأن فرعون لا يرى استعلاء فى الطلب المتعلق به من غيره لادعائه الألوهية.

استعمال الأمر للالتماس

  (و) ك (الالتماس) وذلك (كقولك لمن يساويك رتبة) أى: فى الرتبة (افعل) كذا مثلا حال كون ذلك القول كائنا (بدون الاستعلاء) المعتبر فى الأمر، وبدون التضرع المعتبر فى الدعاء، ولا يرد أن يقال: المساواة تنافى الاستعلاء، لأنا نقول: المنافى للمساواة هو العلو لا الاستعلاء، فإن الاستعلاء - كما تقدم: - هو عد الآمر نفسه عاليا بكون الطلب الصادر منه على وجه الغلظة، كما هو شأن العلى، وهذا المعنى - أعنى جعل الآمر نفسه عاليا فى أمره - يصح من المساوى، بل يصح من الأدنى، فإن دعاوى النفس أكثر من أن تحصى، وظاهر ما تقرر أن مناط الأمرية فى الطلب هو الاستعلاء،


(١) الأعراف: ١٥١.

(٢) الشعراء: ٣٥.