مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

التلميح

صفحة 698 - الجزء 2

التلميح

  (وأما التلميح) من الألقاب السابقة (فهو) أي: فمعناه (أن يشار إلى قصة أو شعر) أو مثل سائر في الناس (من غير ذكره) أي: من غير أن يذكر المشار إليه بنفسه ومن غير استقصائه، ولكن يشار إليه إشارة يفهم بها من قوة الكلام ومن القرائن المشتمل عليها الكلام، وفهم الشيء من قوة الكلام، وقرائنه هو الفهم بفحوى الكلام، فالإشارة إلى ما ذكر بالتصريح بل بالفحوى مع ذكر شيء منه أو كله، ويتضح ذلك بالأمثلة، وهذا أعنى: التلميح، مأخوذ من لمح بتقديم اللام إذا نظر، وكأن الشاعر أو الكاتب نظر إلى المشار إليه وراعاه، ولذلك تسمعهم يقولون: لمح فلان هذا البيت فقال كذا، وفي هذا البيت تلميح إلى قول فلان بتقديم اللام، ولما كان التلميح بتقديم اللام في هذا المعنى مما يستملح ويستحسن، فهو من الإتيان بشيء مليح، توهم بعضهم أنه بتقديم الميم، وأنه من ملح الشاعر بتشديد اللام إذا أتى بشيء مليح وهو سهو نشأ من توهم اتحاد الأعم بالأخص؛ لأن الإتيان بالشيء المليح أعم من التلميح الذي هو النظر إلى شعر أو قصة أو مثل، فيشار إليه بفحوى الكلام، فمن جزم بأنه بتقديم الميم وتمذهب بذلك تبعا لغيره فهو غالط، والسبب ما ذكر، وإذا علم أن المشار إليه في التلميح ثلاثة أشياء القصة والشعر والمثل، والمشار من جهته إما نظم أو نثر صارت أقسامه ستة من ضرب اثنين في ثلاثة، والمذكور في الكتاب مثالان، مثال التلميح في النظم إلى القصة، ومثاله في النظم إلى الشعر، وسنمثل بباقي الأمثلة، فأشار إلى مثاله في النظم إلى القصة فقال (كقوله) أي: كقول أبي تمام:

  لحقنا بأخراهم وقد حوم الهوى ... قلوبا عهدنا طيرها وهى وقع

  فردت علينا الشمس والليل راغم ... بشمس لهم من جانب الخدر تطلع

  نضا ضوءها صبغ الدجنة وانطوى ... لبهجتها ثوب السماء المجزع

  (فو الله ما أدرى أأحلام نائم ... ألمت بنا أم كان في الركب يوشع)⁣(⁣١)


(١) الأبيات لأبى تمام فى ديوانه ص (١٧٨)، ط دار الكتب العلمية، ومطلعها:

أما إنه لو لا الخليط المودع ... وربع خلا منه مصيف ومربع