مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

(الكناية)

صفحة 445 - الجزء 2

  الغوامض على الأفهام، ولما قدم الفرق المسلم عنده بين المجاز والكناية، وهو أن الكناية معها جواز إرادة الأصل بعدم نصب القرينة المانعة، والمجاز ليس معه ذلك بنصبها أشار إلى فرق آخر بينهما وإلى الاعتراض الوارد عليه فقال: (وفرق) يحتمل أن يكون مبنيا للمجهول وهو الأقرب؛ لعدم تقدم الفاعل، والمفرق بما سيذكره هو السكاكي وغيره، ويحتمل أن يكون مبنيا للفاعل، والفاعل هو ضمير السكاكي للعلم به من أن الكلام في المباحثة إنما هو معه غالبا (بأن الانتقال) أي: فرق السكاكي وغيره بين المجاز والكناية بأن الانتقال (فيها) أي: في الكناية إنما هو (من اللازم) إلى الملزوم كما إذا قيل: فلان طويل النجاد كناية عن طول القامة فإن طول القامة هو الملزوم والأصل وطول النجاد هو اللازم والفرع، فقد انتقل في هذه الكناية من اللازم الذي هو طول النجاد إلى الملزوم الذي هو طول القامة، لا يقال طول القامة لا يستلزم طول النجاد لصحة أن لا يكون له نجاد أصلا، فكيف يكون ملزوما؟ لأنا نقول اللزوم عرفي أغلبي وذلك كاف مع وجود القرينة (و) الانتقال (فيه) أي: في المجاز إنما هو (من الملزوم) إلى اللازم كما إذا استعمل لفظ الغيث لينتقل من تصور معناه الذي هو الملزوم إلى معنى النبات الذي هو اللازم، والملزوم هنا أيضا أغلبي وعرفي وهو كاف مع القرينة، وكذا إذا استعمل لفظ الأسد لينتقل منه إلى لازمه بالقرينة وهو الرجل الشجاع، وقد تقدم أن اللازم في الحقيقة هو معنى الجراءة، لكن لما لا بست الرجل أيضا انتقل من الأسد بواسطة القرينة إلى الرجل المقيد بالجراءة، فصار الأسد ملزوما والرجل الشجاع لازما بانضمام القرينة إلى الرجل المقيد بالجراءة، فصار الأسد ملزوما والرجل الشجاع لازما بانضمام القرينة (ورد) هذا الفرق (بأن اللازم ما) دام (لم يكن ملزوما) بأن بقى على لازميته (لم ينتقل منه) إلى الملزوم، وذلك لما تقرر أن اللازم من حيث إنه لازم أي يلزم من وجود غيره وجوده، يجوز أن يكون أعم من ملزومه ضرورة أن مقتضى لازميته أن وجود غيره لا يخلو عنه، فغيره إما مساو أو أخص، وأما أن وجوده لا يخلو من وجود غيره حتى يكون هو مساويا أو أخص فلا دليل عليه فجاز أن يكون أعم كالحيوان للإنسان فلا يخلو الإنسان من الحيوان، وقد يخلو الحيوان من الإنسان، وإذا صح أن يكون أعم فلا دلالة للأعم على الأخص، وإنما ينتقل من اللازم إلى الملزوم إن كان ذلك اللازم ملزوما لذلك