الكناية العرضية
  رمزت إليّ مخافة من بعلها ... من غير أن تبدي هناك كلامها(١)
  (و) إن قلت الوسائط أو انعدمت (بلا خفاء) فالمناسب أن تسمى به تلك الكناية (الإيماء والإشارة) فالتسمية بهما لمعنى واحد، فالأول: وهو ما قلت فيه الوسائط مع وجود التوسط في الجملة بلا خفاء كقوله:
  أو ما رأيت المجد ألقى رحله ... في آل طلحة ثم لم يتحول
  فإن إلقاء المجد رحله في آل طلحة مع عدم التحول معنى مجازي؛ إذ لا رحل للمجد، ولكن شبه برجل شريف له رحل يخص بنزوله من شاء ووجه الشبه الرغبة في الاتصال به، فأضمر التشبيه في النفس كناية، واستعمل معه ما هو من لوازم المشبه به وهو إلقاء الرحل أي الخيمة والمنزل، ولما جعل المجد ملقيا رحله في آل طلحة بلا تحول لزم من ذلك كون محله وموصوفه آل طلحة لعدم وجدان غيرهم معهم، وذلك بواسطة أن المجد ولو شبه بذي الرحل هو صفة لا بد له من محل وموصوف، وهذا الوسط بين بنفسه فكانت هذه الكناية ظاهرة والواسطة واحدة فقد قلت الوسائط مع الظهور، وإنما قلنا: قلت لأن المراد بالقلة هنا ما يضاد الكثرة فصدق ذلك بالواحدة، ومن أمثلته عرض الوساد بناء على أنه عرفا ظاهر في البله، وليس بينهما إلا واسطة واحدة هي عرض القفا.
  وأما الظهور بلا واسطة أصلا فكعرض القفا في البله بناء على ظهوره عرفا كما قيل، وإنما سميت هذه إشارة؛ لأن أصل الإشارة أن تكون حسية، وهي ظاهرة ومثلها الإيماء.
  (ثم قال) السكاكي (والتعريض قد يكون مجازا) وذلك بأن تقوم القرينة على عدم صحة إرادة المعنى الحقيقي (كقولك: آذيتني فستعرف، وأنت) أي: إنما يكون هذا الكلام التعريض مجازا، والحال أنك أنت (تريد) بهذا الكلام (إنسانا مع المخاطب) بمعنى: أنك تهدد بهذا الكلام ذلك الإنسان (دونه) أي: دون المخاطب فلا تريد تهديده، وإذا أردت بالكلام تهديد غير المخاطب فقط صارت تاء الخطاب غير مراد
(١) البيت فى المفتاح ص (٤١١)، والإيضاح ص (٢٨١).