فصل: الموازنة بين المجاز والحقيقة
  فيه مجازا ولا حقيقة؛ لأنه إنما دل عليه بالسياق والقرائن، ولا عجب في ذلك فإن التراكيب كثيرا ما تفيد المعاني التابعة لمعانيها ولم تستعمل فيها لا حقيقة ولا مجازا كدلالة إن زيدا قائم مثلا على حال الإنكار، فمعنى كون التعريض مجازا على هذا أن قولك آذيتني فستعرف يدل على تهديد المخاطب مطابقة ويدل على تهديد غيره وكل مؤذ سواه لزوما، ويفيد بالتعريض تهديد معين عند المخاطب بقرائن الأحوال، فلما قامت القرائن على ذلك المعين فقط بمعنى أنه المقصود بالذات فقط دل على غير الأصل، فكانت دلالته على طريق المجاز في دلالة غير الموضوع له فقط وليس التعريض باعتبار ذلك المعنى المعرض به مجازا؛ لأن الدلالة عليه بالقرائن من غير اعتبار توسط نقل اللفظ إلى اللازم أو الملزوم، وكونها مقصودة فقط بالقرائن لا يخرج به الكلام عن أصل كونه تعريضا؛ لأن إرادة المعنى الفرعي فقط لا يخرج به الشيء عن أصله، ألا ترى إلى المجاز الذي صار حقيقة عرفية فإن ذلك لا يخرجه باعتبار أصل اللغة، فكذا التعريض لا يخرج عن استعماله الأصلي في أن دلالته اللفظية على غير المعرض به يكون دلالته الفرعية السياقية على المعرض به، ومعنى كونه كناية أن يراد الأصل والمعرض به معا، فيكون على طريق الكناية في إرادة الأصل والفرع إلا أن إرادة الأصل لفظية وإرادة الفرع سياقية، وهذا هو المأخوذ من كلام المحققين فليفهم.
فصل: الموازنة بين المجاز والحقيقة
  (فصل) تكلم فيه على أفضلية المجاز والكناية على الحقيقة في الجملة فقال (أطبق) أي: اتفق (البلغاء) أي: أهل فن البلاغة الشاملة للمعاني والبيان (على أن المجاز والكناية) في كلام بلغاء العرب ومن تبعهم (أبلغ) أي: أكثر مبالغة في إثبات المقصود (من الحقيقة) ومن (التصريح) فقوله من الحقيقة يعود إلى المجاز، والتصريح معطوف عليه وهو عائد للكناية فالمجاز أبلغ من الحقيقة والكناية أبلغ من التصريح، وربما يؤخذ من مقابلة المجاز بالحقيقة والكناية بالتصريح أن الكناية ليست من المجاز؛ لأن التصريح حقيقة قطعا فلو كانت الكناية من المجاز كان في الكلام تداخل، ويحتمل أن يكون الأمر كذلك ويكون ذكر الكناية والتصريح بعد المجاز والحقيقة من باب ذكر الخاص بعد