وجوه تحسين الكلام
  وضوح الدلالة الخلو عن التعقيد المعنوي، وقد تقدم بيانه، وحاصل ذلك أن تلك الأوجه إنما تعد محسنة للكلام إذا أتى بها بعد رعاية الأمرين أعني بالأمر الأول المطابقة لمقتضى الحال، وتتضمن ما يتبين في علم النحو واللغة والتصريف ويدرك بالطبع؛ لأن المطابقة لا عبرة بها إلا بعد الفصاحة - كما تقدم - تتوقف على وجود ما بين في تلك العلوم، وما يتبين بالطبع كالتنافر، وبعض التعقيد اللفظي كما تقدم، وأعني بالأمر الثاني وضوح الدلالة المبين في علم البيان، وإنما فصله عن المطابقة مع أن المطابقة لا تعتبر إلا به إذ هو من الفصاحة للإشارة إلى العلمين السابقين، أعني: المعاني الكفيل ببيان المطابقة، والبيان الكفيل بتقرير وضوح الدلالة.
  ولما كان المبين في الفن الثاني هو ما يسقط به التعقيد المعنوي فسرنا الوضوح بالخلو عن التعقيد المعنوي، ولم نقل فيه: الخلو عن التعقيد اللفظي وأدخلناه فيما توقفت عليه المطابقة من أمر الفصاحة غير التعقيد المعنوي؛ لعدم بيانه في الفن الثاني، ويحتمل أن يريد بوجوه تحسين الكلام ما يحسن به الكلام مطلقا سواء كان داخلا في البلاغة أو خارجا عنها، وأخرج ما لا يدخل في الفنين السابقين بقوله بعد رعاية المطابقة، ووضوح الدلالة وهذا الاحتمال يوهم أن ما يذكر في النحو واللغة والتصريف وما يدرك بالذوق داخل في أوجه التحسين؛ لأن المذكور في الفنين هو نفس أوجه المطابقة وما يسقط به التعقيد المعنوي، وإنما قلنا: يوهم ولم نقل يدخل تلك الأمور في المحسنات جزما؛ لأنه يمكن إدخال تلك الأمور في مقتضى الفن الأول بطريق اللزوم؛ لأنه لا يعتبر ولا يراعى إلا برعايتها، ولكن المتبادر الأول، فلهذا قدمنا الاحتمال الأول وبكل تقدير، فقوله: بعد رعاية المطابقة إلخ يتعلق بقوله: تحسين؛ إذ لا معنى لتعلقه بغيره بمعنى أنها تورث التحسين الذي إنما يحصل ويعتبر بعد الرعاية المذكورة، وإلا كانت تلك الوجوه كتعليق الدر في أعناق الخنازير.
وجوه تحسين الكلام
  ثم أشار إلى تفصيل الوجوه البديعية المحسنة فقال (وهي) أي: وجوه تحسين الكلام الحاصل بعد الرعاية السابقة (ضربان) أي: تلك الأوجه فيها نوعان: