مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

المحسنات المعنوية:

صفحة 487 - الجزء 2

  مها الوحش إلا أن هاتا أو أنس ... قنا الخط إلا أن تلك ذوابل⁣(⁣١)

  لما في هاتا من القرب وتلك من البعد، وكما في قوله تعالى: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً}⁣(⁣٢) لما يشعر به الإغراق من الماء المشتمل على البرودة غالبا، ويشعر به إدخال النار من حرارة النار، وفرضنا هذه الأقسام في التقابل الحقيقي؛ لأن وجودها في الاعتبار إنما هو باعتبار المتعلق، والمتعلق يعرف حاله من هذه الأقسام، وقد علم مما قررنا أن التقابل في بعض الصور يعود معناه إلى الاعتباري، ومن ذكرنا للاعتباري من غير تخصيص له بصورة دون أخرى يعلم أن الملحق بهذا التقابل داخل في هذا الكلام، وسيأتي ذلك الملحق.

  ثم أشار إلى تفصيل في هذا التقابل وهذا الجمع باعتبار اللفظين الدالين على المتقابلين فقال (ويكون) ذلك الجمع بين المتقابلين المسمى بالطباق (بلفظين) أي: يعبر عنهما بلفظين كائنين (من نوع) واحد من أنواع الكلمة التي هي الاسم والفعل والحرف، واللفظان اللذان هما من نوع واحد ما أن يكونا (اسمين) معا (نحو) قوله تعالى {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ}⁣(⁣٣) أي: نيام فإن اليقظة تشتمل على الإدراك بالحواس، والنوم يشتمل على عدمه، فبينهما شبه العدم، والملكة باعتبار لازمهما، وبينهما باعتبار أنفسهما تضاد؛ لأن النوم عرض يمنع إدراك الحواس، واليقظة عرض يقتضي الإدراك بها، وإن قلنا: إن اليقظة نفي ذلك العرض كان بينهما عدم وملكة حقيقة، وقد دل على كل منهما بالاسمية.

  (أو) يكونا (فعلين) معا (نحو) قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}⁣(⁣٤) فإن الإحياء والإماتة ولو صح اجتماعهما في ذات المحيي والمميت بين متعلقهما العدم والملكة، أو التضاد بناء على أن الموت عرض


(١) البيت لأبى تمام، فى الإيضاح ص (٢٢٥).

(٢) نوح: ٢٥.

(٣) الكهف: ١٨.

(٤) المؤمنون: ٨٠.