مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

التورية

صفحة 519 - الجزء 2

  والتورية، فيكون اللفظ مجازا باعتبار إطلاقه على غير معناه مع وجود القرينة الصارفة له على الأصل، ويكون تورية باعتبار كون المراد بعيدا مع خفاء القرينة لما تقدم أنا نشترط في كونه تورية خفاء القرينة، فتلاقي التورية المجاز في مادة واحدة مع كونها غيره، فإن ظهرت القرينة لم تلاقه أصلا على أن لنا أن نقول: أي مانع من أن يكون أحد معنيي المشترك بعيدا باعتبار الاستعمال، ولو صح النقل بأن اللفظ فيهما مشترك فيظهر كون التورية لا ترتهن بالمجاز.

  (وهي) أي: التورية التي هي نوع من أنواع البديع (ضربان) أي: قسمان التورية (الأولى) من القسمين (مجردة) أي: القسم الأول منها يسمى تورية مجردة (وهي) أي: المجردة هي التورية (التي لا تجامع) أي: لم تجامع (شيئا مما يلائم) المعنى (القريب) الذي هو غير مراد، وذلك (نحو) قوله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}⁣(⁣١) فإن الاستواء له معنيان قريب وهو الاستقرار حسا على سطح من السطوح، وبعيد وهو الاستيلاء والارتفاع على الشيء بالقهر والغلبة، وهو مجاز فيه للزوم مطلق الارتفاع للاستقرار، ومطلق الارتفاع صادق بالارتفاع القهري الذي قد يراد من هذين المعنيين المعنى البعيد منهما وهو الاستيلاء والقرينة خفية؛ لأنها استحالة الاستقرار حسا عليه تعالى المتوقفة على أدلة نفي الجرمية، وليست مما يفهمها كل أحد بلا تأمل، فلفظ «استوى» مجاز باعتبار استعماله في غير معناه بالقرينة، وتورية باعتبار إرادة المعنى البعيد بقرينة خفية، ولم يقرن بشيء مما يلائم المعنى القريب، فتكون مجردة لتجردها عما يرشح خفاءها، وهو ذكر ما يلائم القريب كما يأتي، وقد يقال: العرش الذي هو السرير يلائم القريب الذي هو الاستقرار الحسي.

  (و) التورية الثانية من قسميها (مرشحة) أي: تسمى مرشحة، وقد تقدم معنى الترشيح في باب الاستعارة، ووجه التسمية ظاهر من معناه؛ فالمرشحة عكس المجردة فهي التي تجامع شيئا مما يلائم المعنى القريب الذي هو غير مراد، وذلك (نحو) قوله تعالى


(١) طه: ٥.