الاستخذام
  على الغيث مجازا؛ لأنه نازل من جهة السماء المعلومة، ثم أعاد الضمير على لفظ السماء في قوله رعيناه باعتبار معنى آخر مجازي أيضا وهو النبات؛ لأنه هو المرعى، فقد أريد بلفظ السماء معنى وأريد بضميره معنى، آخر فهذا من الوجه الأول.
  (و) الوجه (الثاني) من الوجهين المذكورين في التعريف، وهو أن يراد بأحد ضميريه أحد معنييه، وبضميره الآخر معناه الآخر، وقد تقدم في تفسير ما يفيد أنه لا بد أن يراد باللفظ غير مفاد الضميرين، وإلا كان أحدهما ليس استخداما وكلامنا في الضمير العائد على الاستخدام (كقوله) أي الوجه الثاني مثل ما في قوله (فسقى الغضا)(١) وهو نوع من الشجر، دعا له بالسقي حيث ينزل الأحباء في خلله (والساكنيه) الضمير في الساكنيه يعود على الغضا باعتبار أنه مكان الغضا إذ يطلق عليه الغضا مجازا؛ ثم بين أنه يطلب لهم الغيث وإن عذبوه فقال (وإن هم) أي نطلب لهم السقى قضاء لحق الصحبة، وإن (شبوه) أي: أوقدوه، والضمير فيه يعود على الغضا باعتبار معنى آخر مجازي له أيضا، وهو النار التي تتوقد لأنها تتعلق بشجر الغضا (بين جوانحي) جمع جانحة وهي العظم مما يلي الصدر، وهو كناية عن القلب وقوله (وضلوعي) من عطف التفسير، وشب النار في القلب عبارة عن إيذاء شدة الحب إذ كأنه تحترق به الأحشاء من شدته وإذايته؛ لأن الحب يوصف بتعذيب كتعذيب النار كما يوصف باللذاذة قال:
  إن هذا الهوى نعيم وعز ... ضمنا أبدا عذابا وذلا
  فقد صدق أنه أطلق الغضا على معنى هو الشجر، ثم أعاد عليه الضمير بمعنى المكان مجازا، ثم أعاد عليه آخر بمعنى النار مجازا أيضا؛ لأنها يتعلق بها الشب، ويصح أن يعود عليه الضمير بمعنى المكان، ويراد بنفس اللفظ المكان أيضا، فيصدق أنه أريد بأحد الضميرين معنى، وأريد بالآخر معنى آخر، ولكن يكون الاستخدام في الضمير الواحد وهو الثاني كما تقدمت الإشارة إليه، فلا يفارق الأول إلا في تعدد الضمير في الجملة، وأما الاستخدام فليس إلا في محل واحد كالأول فلا افتراق بينهما من جهة الاستخدام
(١) البيت للبحترى، فى الإيضاح ص (٣٠٢)، وبلا نسبة فى شرح المرشدى على عقود الجمان (٢/ ٨٨).