مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

التقسيم باستيفاء أقسام الشيء

صفحة 535 - الجزء 2

  بأل؛ للإشارة إلى مرتبتهم والامتنان بهم، فكأنه قيل ويهب لمن يشاء الجنس المعروف لكم المعهود كما له لديكم. فأعطى للفظ الإناث مناسبة التقديم، وأعطى للفظ الذكور مناسبة التنويه والتعريف، ثم أتى بهما على أصل استحقاق التقديم والتأخير، بعد بيان المناسبة الأولية في قوله تعالى: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً}⁣(⁣١) ثم أتى بالقسم المقابل لهذه الثلاثة في قوله: {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً} لا يولد له أصلا أنه عليم بالحكمة في ذلك قدير على ما يريد لا يتعاصى عليه شيء، ففي ضمن الآية الكريمة أن الإنسان باعتبار شأن الولادة ينقسم إلى الذي لا يولد له أصلا، وإلى الذي يولد له جنس الذكور فقط، وإلى الذي يولد له جنس الإناث فقط، وإلى الذي يولد له الذكور والإناث معا، فكأنه قيل: الإنسان إما أن لا يكون له ولد أصلا، وإما أن يكون له جنس الذكور فقط، وإما أن يكون له جنس الإناث فقط، وإما أن يكون له الجنسان معا.

  فهذا تقسيم مستوف لأقسام الإنسان باعتبار الولادة وعدمها. ومن هذا القسم قولهم: الكلمة: اسم، أو فعل، أو حرف.

  ومما يتأمل فيه هنا السر في الإتيان بأو فى قوله تعالى: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ} ولم يقل: ويزوجهم بالواو كما ذكر فيما قبل هذا القسم وبعده. قيل: إن السر في ذلك أنه لما عبر بالضمير في قوله {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ} ولم يقل: يزوج من يشاء، وأعاد الضمير على من يشاء قبله أتى بأو للإشارة إلى المباينة، وأن هذا غير ما ذكر أولا، والمذكور أولا هو هبة الذكور فقط، أو الإناث فقط بخلاف ما لو عبر بالواو فإنه يفيد أن الذى اختص بالذكور أو اختص بالإناث يجمع له بين الذكور والإناث، وليس بصحيح؛ لأن المراد كما تقدم ذكر كل قسم على حدة، ومفيده أو المقتضية للمباينة، دون الواو المقتضية للجمع.

  وأما الأقسام الأخرى فلما قال فيها: «يهب لمن يشاء ويجعل من يشاء» فعبر بالظاهر عن الموهوب له والمجعول له، فهم أنها أقسام مستقلة مختلفة في نفس الأمر؛ لأن


(١) الشورى: ٥٠.