مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

أقسام التجريد

صفحة 537 - الجزء 2

  (مبالغة) أي والمقصود من ذلك الانتزاع إفادة المبالغة أي إفادة أنك بالغت في وصف المنتزع منه بتلك الصفة وإنما تبالغ كذلك (ل) أجل (كمالها) أي: لادعائك كمال تلك الصفة (فيه) أي: في ذلك المنتزع منه وإنما قلنا: لادعاء الكمال إشارة إلى أن إظهار المبالغة بالانتزاع لا يشترط فيه كونه كاملا في تلك الصفة في نفس الأمر، بل الادعاء كاف سواء طابق الواقع أم لا.

  ووجه دلالة الانتزاع على المبالغة المبنية على ادعائك الكمال ما تقرر في العقول من أن الأصل والمنشأ لما هو مثله في غاية القوة، حتى صار يفيض بمثالاته فإذا أخذ وصف باعتبار تلك الصفة من موصوف آخر بها فهم أنك بالغت في وصفه، حتى صيرته في منزلة هي بحيث كانت فيه تلك الصفة منشأ لتفريع أمثالها عنها وإيجادها عنه، فهي فيه كأنها تفيض بمثالاتها لقوتها كما تفيض الأشعة عن شعاع الشمس، وكما يفيض الماء عن ماء البحر فليفهم فإنه سهل ممتنع.

أقسام التجريد

  وبمثل هذا علم أن فنون هذا العلم لا يخلو سهلها - كالبديع - من وجود الدقائق ورعايتها، فضلا عن صعبها، كالبيان والمعاني (وهو) أي التجريد (أقسام) عديدة؛ لأن الانتزاع إما أن يكون بحرف أو بدونه، والحرف إما من أو الباء أو في، والباء إما داخلة على المنتزع منه أو داخلة على المنتزع، وما يكون بدون حرف إما أن يكون لا على وجه الكناية، أو يكون على وجهها، ثم هو إما انتزاع من غير المتكلم، أو انتزاع من المتكلم نفسه. فهذه أقسام أشار إليها وإلى أمثلتها بقوله:

  (فمنها) أي: من تلك الأقسام ما يكون حاصلا بمن التجريدية (نحو قولهم) في المبالغة في وصف فلان بالصداقة: (لي من فلان صديق حميم) أي: صديق قريب لي كأنه نفسي، بحيث يهتم بأمري كما أهتم أنا به.

  وإنما يقال هكذا إذا قصد إظهار المبالغة في صداقته، حتى صار بحيث يفيض عنه صديق آخر.