تأكيد المدح بما يشبه الذم
  ومعنى تفريع إثبات الشفاء من الكلب على إثبات الشفاء لاستقام الجهل، أن إثبات الشفاء من سقام أي مرض الجهل، جعل كالمقدمة والتوطئة لإثبات الشفاء من الكلب، ففرع الثاني على الأول فى الذكر. وفي جعله مرتبا عليه، بتوسطه فيه احترازا مما إذا عطف أحد الحكمين على الآخر، أو ذكر مستقلا، وليس المراد التفريع في الوجود.
  فإن كون الدماء شفاء لا يترتب في الخارج على كونهم ذوي عقول تشفي من الجهل، وإنما يترتب على الشرف الملكي أو النسبي اللهم إلا أن يدعي أن شرف العقل كاف في ترتب الشفاء من الكلب، وهو بعيد وعلى تقدير تسليمه، فالكاف إن جعلت للتشبيه فالمشبه به هو الأصل المتفرع عنه، والمشبه هو الفرع، فلم يصح معه التفريع المعهود.
  نعم لو قال: فدماؤكم إلخ بالفاء؛ كان تفريعا؛ فلهذا قيل إن المراد بتفريع الثاني عن الأول كونه ناشئا ذكره عن ذكر الأول، حيث جعل الأول وسيلة إليه حتى إن الثاني في قصد المتكلم لا يستقل عن ذكر الأول وقوله كما دماؤكم الخ يحتمل أن تكون ما فيه غير كافة من الجر، فيكون دماؤكم مجرورا، وجملة تشفي في موضع الحال، ويحتمل أن تكون كافة فيكون دماؤكم مبتدأ، وتشفي خبره. ومعنى البيت أن الممدوحين ملوك وأشراف وأرباب العقول، فعقولهم شفاء لجهل مخالطيهم ودماؤهم شفاء للكلب وكون دماء الملوك والأشراف أنفع شيء للمصاب بالكلب أمر مشهور عندهم ولذلك قال الحماسي:
  بناة مكارم وأساة كلم ... دماؤكم من الكلب الشفاء
  أي أنتم الذين تبنون المكارم، وترفعون أساسها بإظهارها وأنتم الذين تؤاسون أي تطبون الكلم أي جراحات القلوب. وجراحات الفاقة وغيرها. فبناة جمع بان، وأساة جمع آس كقاض وقضاة وأنتم الذين دماؤكم تشفي من الكلب لشرفكم وكونكم ملوكا.
تأكيد المدح بما يشبه الذم
  (ومنه) أي: ومن البديع المعنوي (تأكيد المدح بما يشبه الذم) أي النوع المسمى بذلك (وهو) أي تأكيد المدح بما يشبه الذم (ضربان) أي: نوعان والمناسب لقوله بعد