مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الأخذ الظاهر

صفحة 661 - الجزء 2

  تصرفه وحمله على معنى ولقد يكون الزمان بخيلا في المستقبل بإهلاكه لما فيه من نظام العالم تكلف لا دليل عليه، ومع ذلك فمصراع أبي تمام أحسن منه، لاستغنائه عن هذا التكلف، فعلى تقدير التصحيح بما ذكر لا يخرج به عن المفضولية، ولا يضر في كونه مأخذوا منه كون البخيل في الأول متعلقا بالمثل، وكونه في هذا متعلقا بنفس الممدوح؛ لأن المصراعين اشتركا في الحاصل، ولو اختلف الاعتبار؛ إذ الحاصل من الثاني أن وجود هذا الممدوح من الزمان لا يكون إلا على الانفراد لبخله به، فلم يوجد منه إلا بسبب خاص، وقد اشترك المعنيان في انفراد وجود الممدوح من الزمان وبخله بمثله، وبه يعلم أنه لا يضر في الأخذ تغاير في المعنى، والتعبير إذا وقع الاشتراك في الحاصل، ولو مع زيادة شيء؛ إذ لو اشترط الاتحاد في المعنى من كل وجه لم يكن المصراع الثاني مأخوذا من الأول على كل تقدير، مما يفسر به هنا؛ لأنا إن فسرنا البيت الثاني بمعنى أن الزمان كان بخيلا به أولا، ثم أعداه، أي: أعدى الزمان، جود الممدوح بأن تعلق به في عدم الممدوح، فصار الزمان ساخيا به، ولو لا سخاؤه الذي أعدى الزمان لبخل بمثله على الدنيا، ولاستبقاه لنفسه - فهو يفيد أن الذي بخل به أولا هو نفسه، وكلام أبي تمام يفيد أن الذي بخل به هو مثله فالمعنيان مختلفان ولو اتحدا المآل، والحاصل كما قررنا أن البخل به إلا لسبب خاص يفيد البخل به؛ لانتفاء ذلك السبب كما قررنا، والبخل بمثله مع وجوده يفيد البخل به إلا لسبب خاص، وهذا تأويل ابن جني، ويلزم فيه أن قوله أعدى الزمان سخاؤه من باب الغلو كما تقدم في قوله:

  حتى إنه لتخافك النطف التي لم تخلق.

  لأن الجود لم يوجد قبل وجود الممدوح حتى بعدي الزمان، ولهذا عدل عنه ابن فورجة، وإن فسرناه بما قال به ابن فورجة فرارا من هذا اللازم وهو أن المراد أن الممدوح كان موجودا سخيا، وكان الزمان بخيلا بإظهاره لي وهدايتي له لعزازة أموره عند الزمان، فلما أعدى الزمان سخاء ذلك الممدوح جاد على به، أي: بالاتصال به، والوقوف عليه بعد خفائه عنى، فالمعنى: أن الزمان هداني إليه بعد البخل بالهداية فعرفته، وأغناني كأن المعنى: ولقد كان الزمان بخيلا بإظهاره، وهو مخالف للبخل بإيجاد مثله