مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الأخذ الظاهر

صفحة 663 - الجزء 2

  هذا الكلام الأول (وقول أبي الطيب:

  لو لا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا)⁣(⁣١)

  هذا الثاني ومعنى البيت الأول أن مرتاد المنية، أي: المنية التي ترتاد، أي: تطلب النفوس كطلب الرائد للكلأ؛ فالإضافة بيانية إذ ليس للمنية مرتاد غيرها، لو حار أي: لو تحير ذلك المرتاد الذي هو المنية في طلب النفوس بسبب خفاء أماكنها عليه، لم يجد ذلك المرتاد دليلا يدل على النفوس المطلوبة له إلا الفراق، فجعل دليل المنية على النفوس محصورا في الفراق، أي: فراق الأحبة، وقيد كونه دليلا بحال الحيرة في طلب النفوس، ومعنى البيت الثاني أن مفارقة الأحباب هي الموصلة للمنية عند طلبها للأرواح، فلولاها ما اتصلت المنية بالأرواح، فيفهم أن المواصلة مانعة من الوصول إلى الأرواح، فالفراق إما أن يكون دليلا أو جزءا من الدليل، ومن المعلوم أن المراد بالحيرة في البيت الأول رغبة المنية في النفوس وطلبها لها، وقد علم أن التوصل مطلقا لا يكون إلا بالطلب، فالتقييد بالحيرة لا يحتاج إليه لوجهين: أحدهما: أن الطالب للشيء يتحير عند انتفاء الدليل فلا يحتاج لذكر التحير

  والآخر: ما تقرر من كون المنية لا عدو لها إلا النفوس فهي أبدا طالبة لها متحيرة عند عدم الدليل، وقد اجتمع البيتان على الحاصل، وهو أنه لا دليل للمنية على النفوس إلا الفراق، أما في الأول فواضح وأما في الثاني فإن لو لا تفيد أن نفي الفراق بنفي الموصل، كما أشرنا إليه، فلزم انحصار الموصل في الفراق على أنه دليل أو جزء الدليل، فمعنى كل من البيتين يعود إلى معنى الآخر، فما يقال: من أن في الأول الحصر والتقييد بالحيرة، فجاء أبلغ من الثاني لا عبرة به، وقد ظهر أن أبا الطيب أخذ المعنى كله مع لفظ المنية والفراق والوجدان وبدل النفوس بالأرواح، وهما متساويان في البلاغة، فكان الثاني أبعد من الذم.


(١) البيت لأبى الطيب فى شرح ديوانه (١/ ٥٩)، وشرح عقود الجمان (٢/ ١٧٩).