مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

المنقول

صفحة 669 - الجزء 2

  قد تقدم، وهو أن غير الظاهر لا بد أن يكون بحيث لا يدرك كون الثاني من الأول إلا بتأمل، كما يتضح في الأمثلة بعد، والذوق السليم شاهد بذلك، وأما هذا المثال فوجه الخفاء أن الأول سوى بين مفهوم ذي العمامة والخمار في مصدوقهما، والثاني شبه مفهوم من في كفه خضاب بمن في كفه قناة باعتبار مصدوقهما فيتبادر - قبل التأمل - أن المعنيين لما اختلف المفهوم فيهما مختلفين بخلاف ما تقدم، فالمعنى ظاهر الاتحاد، هذا والحق أن هذا المثال قريب من الظاهر بل ينبغي أن يجعل منه، والمثال الذي فيه التشابه بلا ظهور كقوله:

  لقد زادني حبا لنفسي أنني ... بغيض إلى كل امرئ غير طائل⁣(⁣١)

  وقوله:

  وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل⁣(⁣٢)

  فمعنى البيت الأول أن بغض ما ليس بطائل أي: لا فائدة فيه يزيدني حبا في نفسي؛ لأني أعلم بذلك أنه ما أبغضني إلا لكونه لم يناسب ما فيه من المعاني والأخلاق ما في، ومعنى الثاني أنه إذا ذمني ناقص ذميم في نفسه كان ذمه شهادة بكمالي، ومعلوم أن البغض يستلزم عادة ذم المبغوض، وحب الإنسان نفسه يستلزم إدراك كمالها فالمعنيان مشتبهان في أمر يعمهما، وإن اختلف مفهومهما، وذلك الذي يعمهما هو أن مباعدة الأرذال وإذايتهم للإنسان تفيد رفعته، لكن لخفاء أخذ أحدهما من الآخر؛ لأن التماثل إنما هو باعتبار هذا الأمر العام الذي يبعد استشعار الأخص منه، فنزلا فيه بمنزلة الأخصين باعتبار الجنس الأعلى جعل الثاني أي: أخذه من خلاف الظاهر، والذوق السليم شاهد بذلك فتأمل.

المنقول

  ولما كان غير الظاهر مشعرا بالحاجة إلى التأمل صح فيه نقل المعنى من مكان إلى آخر، إذ غاية ما فيه زيادة الخفاء ولا ينافيه، فيصح أن ينقل المعنى من نسيب أي: وصف بالجمال يقال نسب بكسر سين المضارع، إذا شبب بامرأة ذكر منها ما يلائم


(١) البيت للطرماح، فى الإيضاح ص (٣٤٦).

(٢) البيت لأبى الطيب، فى الإيضاح ص (٣٤٦).