مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

التلميح

صفحة 702 - الجزء 2

  (في ثلاثة مواضع) أي: ينبغي للمتكلم أن يجتهد في طلب أحسن الكلام؛ ليأتي به في ثلاثة مواضع من كلامه (حتى تكون) تلك المواضع الثلاثة من كلامه (أعذب لفظ) من غيرها، وعذوبة اللفظ حسنه، وهو يشمل ما يكمل به حسنه وحلاوته من كل وجه، ولكن خص تفسير أعذبيته هنا بكونه غاية في البعد عن التنافر واستثقال الطبع؛ لأن العذب الحسي يقابله حسا ما ينافر الطبع ويثقل عليه، فناسب تخصيصه بهذا المعنى لما ذكر مع ما في ذلك من الخروج عن التكرار بما بعده.

  (و) حتى تكون المواضع الثلاثة أيضا (أحسن سبكا) من غيرها، وحسن سبك اللفظ أيضا حسن صياغته أي: إيجاد تركيبه، وإيجاد ذاته، فهو أيضا بهذا الاعتبار يشمل أوجه حسنه من قبل نفسه ومعناه، ولكن خصت أحسنية سبكه هنا بكونه غاية في البعد عن التعقيد اللفظي وعن التقديم والتأخير الملبس، وتكون الألفاظ متقاربة في الجزالة وهى ضد الركاكة والمتانة وهى بمعنى الجزالة والرقة والسلاسة، وهما بمعنى لطف اللفظ وتناسبه ضد الغلظ المستقبح والتقطع المستكره، وبكون المعاني مناسبة لألفاظها؛ وذلك بأن لا يكسى اللفظ الشريف المعنى الخسيس، كأن يكون بألفاظ مجنسة لمعان ترمى بالعراء؛ لعدم مطابقتها للمراد، أو العكس كمعنى شريف عليه لفظ سخيف كألفاظ غريبة متنافرة الحروف لمعنى مطابق، وإنما ينبغي أن يصاغ اللفظ والمعنى بالتناسب والتلاؤم، فيكون اللفظ شريفا والمعنى كذلك، وحاصل هذه الجمل المفسر بها حسن السبك، أن يكون اللفظ فصيحا لا تعقيد فيه ولا شيء يخل بالفصاحة ولا ابتذال فيه مع معنى مرعى فيه ما ينبغي لمطابقته مقتضى الحال؛ لأن جزالة اللفظ ورقته وسلاسته ترجع إلى نفى الابتذال والتنافر، وكون المعنى شريفا واللفظ شريفا يرجع إلى المطابقة مع السلامة مما يخل بالفصاحة، وإنما خص حسن السبك بنفى ما يخل بالفصاحة مع معنى مطابق؛ لأن حسن سبك الحلي مثلا الذي هو المحسوس إنما يقابله عدم الالتئام أو الالتئام على وجه مستكره، ولا يخفاك أن حسن السبك على هذا أخص من عذوبة اللفظ، فإن قلت: فحسن السبك على هذا لا أخصية في تفسيره؛ لشموله جميع أنواع الحسن، قلت: بل بقى أنواع البديعيات، وهى مما يحسن السبك، فإن قلت: فعلى هذا