مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

(تنبيه)

صفحة 146 - الجزء 1

  بصدق ولا كذب به وهو الواسطة، ثم القائلون بالانحصار: اختلفوا فى تفسير الصدق والكذب اللذين انحصر الكلام فيهما فقال الجمهور: (صدق الخبر مطابقت) نسبت (ه) الإيقاعية أو الانتزاعية (ل) لنسبة الكائنة بين الطرفين فى (الواقع) وما فى نفس الأمر، وذلك أنك إن قطعت النظر عما يفهم من اللفظ من النسبة الحكمية، فإنك تجد بين الطرفين فى الخارج وفى نفس الأمر نسبة ثبوت أحدهما للآخر، أو نسبة السلب، فإن كانت تلك النسبة مطابقة لما فهم من اللفظ، فمطابقة تلك النسبة الخارجية المفهومة من اللفظ صدق، وهو معنى قوله: الصدق مطابقة الخبر للواقع، وعدم مطابقة تلك النسبة للواقع كذب، وإليه أشار بقوله (وكذبه) أى وكذب الخبر (عدمها) أى عدم مطابقة تلك النسبة للواقع، وإنما قدرنا نسبة؛ لأن الخبر لا مطابقة فيه باعتبار كونه لفظا ولا باعتبار مفرداته، وإنما تتحقق فيه المطابقة أو عدمها باعتبار النسبة المتضمنة له، وقد تقدم هذا المعنى فى الفرق بين الخبر والإنشاء (وقيل): صدق الخبر هو: (مطابقته) أى: مطابقة نسبته المدلولة له (لاعتقاد المخبر) أى النسبة المعتقد للمخبر (ولو) كان ذلك الاعتقاد (خطأ) وجهلا لم يطابق الواقع (وكذبه) أى: وكذب الخبر (عدمها) أى: عدم مطابقته للنسبة المعتقدة، سواء كانت تلك النسبة كذلك فى نفس الأمر أو لا فإذا أخبر الإنسان بما يبادر كل أحد إلى تكذيبه فيه للعلم بخلافه ضرورة، وفرضنا اعتقاد مطابقته كان خبره صدقا، كقوله: السماء تحتنا معتقدا لظاهره، وإذا أخبر بما ظاهره صدق حتى عند الصبيان والبله معتقدا خلاف ظاهره، فخبره كذب كقوله: السماء فوقنا، ولا ينحصر الاعتقاد فى هذا الباب فى الجزم بل يشمل الظن، وهذا التفسير للصدق والكذب يقتضى وجود الواسطة، وهو خبر الشاك إذ لا اعتقاد له حتى يطابقه حكم الخبر أو لا يطابقه، والقائل به ممن يقول بالانحصار، ولكن إنما يرد عليه إن كان يسمى كلام الشاك خبرا باعتبار أن له نسبة مفهومة كسائر الأخبار، وأما إن كان لا يسميه خبرا باعتبار أن لا نسبة له فى الاعتقاد لم يلزم ثبوت الواسطة، وقد يجاب عنه بأن الشاك لما كان لا معتقد له، صدق على خبره أنه لم يطابق معتقده، إذ لا معتقد له يطابق، فنفى الاعتقاد يستلزم عدم مطابقة النسبة للمعتقد؛ لأن المطابقة للمعتقد فرع